كانت جوليا، التي لم يتجاوز عمرها عاماً وسبعة أشهر، تلهو في باحة مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وتنظر إلى صورة والدتها الأسيرة الفلسطينية أنهار الديك التي يحملها المعتصمون، وتسأل: "وين ماما؟".
في هذا الوقت، كانت أنهار تسأل زوجها عبر سماعة الهاتف من خلف الزجاج عن طفلتها، وعن عدم إحضارها إلى الزيارة في سجن الدامون الإسرائيلي. وأعربت عن شعورها بالقلق بسبب ولادتها المرتقبة داخل سجون الاحتلال، وخصوصاً أنّها لا تعرف كيف ستلد وحدها.
لم يتمكّن ثائر الحجة، زوج أنهار الديك، كما يقول لـ"العربي الجديد"، أخذ ابنته جوليا إلى الزيارة التي كانت مفاجئة له. فالاحتلال كان قد سحب تصريح الزيارة الخاص به قبل شهرين وحرم زوجته من الزيارة، وتلقّى اتصالاً مساء أمس الاثنين من الصليب الأحمر بإصدار تصريح له. لكن عندما سأل عن اصطحاب ابنته، جاءت الإجابة سلبية.
ويقول الحجة: "منذ دخلت، سألتني أنهار عن طفلتنا جوليا. أين جوجو؟ ألم تحاولوا إحضارها معكم؟. أجبتها أنه لم يسمح لنا بذلك". كانت قد رأتها قبل أيام في تقرير على تلفزيون "فلسطين" الرسمي الذي يسمح ببثه مع عدد محدود جداً من القنوات التلفزيونية في السجون، وقالت إنها "تضايقت كثيراً، وقضت وقتاً كبيراً بالبكاء على بعد طفلتها عنها".
فعاليات التضامن مع أنهار، التي ستلد بعملية قيصرية خلال أيام، ما زالت مستمرة، منها الاعتصام أمام مقر الصليب الأحمر في البيرة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وينقل زوجها عنها قولها: "أشكر كل من وقف بجانبي ودعمني، وأتمنى من الله أن يتوج هذا الدعم بالإفراج عني وعن طفلي علاء من سجون الاحتلال. ويحتمل أن أجري عملية قيصرية في الأيام المقبلة. وضعي الجسدي منهك جداً. أستمد طاقتي من دعمكم وأتابع كل جهودكم. أتمنى أن يستمر هذا الضغط حتى أنال الحرية، وأضع طفلي بينكم أيها الأحرار".
وتعقد غداً الأربعاء جلسة محاكمة للنظر بطلب تقدم به طاقم الدفاع عنها لإخلاء سبيلها بكفالة مالية، كما يقول نائب مدير الوحدة القانونية لهيئة شؤون الأسرى والمحررين جميل سعادة لـ"العربي الجديد".
ويؤكد سعادة أنّ هذا الطلب تم التقدم به من الهيئة ضمن الجهود التي تبذل لتمكين أنهار من الإنجاب وهي حرة بين أهلها وذويها، ويعني الأمر، في حال موافقة محكمة الاحتلال في معسكر عوفر عليه، أنها ستخرج وستتواصل محاكمتها وهي خارج السجن، إذ لم يصدر بحقها حتى الآن أي حكم. لكن بحسب سعادة، فإنّ ردود النيابة العسكرية الإسرائيلية حتى الآن ليست إيجابية.
الوضع النفسي للديك يبدو مقلقاً. زوجها الذي زارها برفقة شقيقتها يقول: "لا تعرف كيف ستلد لوحدها، وكيف سترعى نفسها في غرفة معزولة بعد الولادة. تشعر بالضيق والتعب والإحباط".
يتابع زوجها أنّ "ما يحصل أكبر من قدرتنا. كانت تعاني اكتئاباً قبل اعتقالها. كانت تخشى أن تتأثر بما هو أصعب من ذلك في ظل فقدانها طفلتها، وإنجابها وهي داخل السجن. هذا سيؤثر عليها مستقبلاً".
وفي ما يتعلق بظروف الولادة، فإنّ الديك ستعزل في غرفة لأسبوعين بعد الولادة، وهو ما تبرره إدارة سجون الاحتلال بوجود جائحة كورونا. ويقول زوجها: "تم تجهيز غرفة بالفعل داخل السجن"، لكنه لا يعلم ظروف تلك الغرفة.
وكانت الديك قد أعربت في رسالة سابقة عن تخوفها من عزلها. وتقول والدتها عائشة الديك، التي شاركت في الاعتصام، لـ "العربي الجديد": "الرسالة الأولى تلك أثرت كثيراً في العائلة. رسالتها مزقت قلوبنا حين قالت إنه ليس لديها أي أحد وستظل بمفردها كأنها في زنزانة. كانت رسالة مؤلمة".
تتابع والدتها: "نحن قلقون من أن تضع مولودها في السجن، وهي في وضع مأساوي، إذ تخشى الإنجاب هناك من دون أهل أو أقارب. وضعها الصحي جيد ولكنها تتألم وتتعب من النوم على برش (سرير) السجن".
وفي ما يتعلق بجوليا، تقول جدتها فاطمة الحجة (والدة زوج أنهار الديك) لـ"العربي الجديد" خلال الاعتصام: "وضع الطفلة جيد برعاية عائلتي والدها ووالدتها"، مؤكدة أن العائلة تحاول ألا تغيب صورة أمها عنها، وأن تظل تعرف أنها والدتها.
لكن يبدو أن الخوف هو على الأم وليس الطفلة. تقول أم ثائر: "حين يكون زوجها معها وأهلها وعائلتها يختلف الأمر، ولكن أن يغيب كل ذلك وأن تكون أيضاً ابنتها بعيدة عنها، فسيشكل ذلك عاملاً نفسياً صعباً. نطالب بالإفراج عنها والوقوف معها ومع كل الأسرى وقفة صادقة".
إلى ذلك، تؤكد "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" الفلسطينية أنّ جهوداً كبيرة تبذل من طاقم المحامين لمحاولة انتزاع قرار بالإفراج عن أنهار قبل أن تضع مولودها. ويقول الناطق باسم الهيئة ثائر شريتح لـ"العربي الجديد": "جلسة محاكمتها القادمة وفق ما تم تحديده سابقاً (أي قبل تحديد جلسة للنظر بطلب إخلاء السبيل عنها بكفالة) في 20 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل".
يتابع شريتح: "هناك تعنت من نيابة الاحتلال رغم مساعي الصليب الأحمر الدولي، وتقديم المحامين كل المستندات التي تثبت جدية ضرورة الإفراج عنها، لكن من دون وجود أي قرار حتى اللحظة".
ما تم التوصل إليه حتى اللحظة، بحسب شريتح، تنظيم اتصال فيديو بين أنهار ومتخصصة من الهيئة ستحضر إلى مقر الصليب الأحمر للحديث مع الديك، متأملاً أن تنجح الجهود بالإفراج عنها قبل الولادة.
واعتقلت قوات الاحتلال الديك من بلدة كفر نعمة غربي رام الله، في مارس/آذار الماضي، وهي حامل في شهرها الرابع، بتهمة محاولة تنفيذ عملية طعن في بؤرة استيطانية على جبل "الريسان" القريب من بلدتها، ولم يصدر بحقها أي حكم، وتقبع في سجن الدامون (جنوب).