الأمطار تحيي بحيرات قضى عليها الجفاف في صحارى جنوب شرقي المغرب

27 أكتوبر 2024
عند بحيرة ياسمينة التي أنعشتها الأمطار في صحارى مرزوكة، المغرب، 20 أكتوبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

أحيت الأمطار الغزيرة، التي هطلت أخيراً في جنوب شرق المغرب، بحيرات وبركاً مائية كانت قد نضبت لسنوات بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في الصحارى، وذلك في ظاهرة استثنائية أعادت الارتياح إلى سكان الواحات السياحية وزائريها.

وغيّرت هذه "الهدية النادرة" المشهد العام في المنطقة، إذ صارت البحيرات تتخلّل كثبان الرمال، مثلما هي الحال في ضواحي مدينة مرزوكة، الواقعة على بعد 600 كيلومتر جنوب شرقي العاصمة الرباط. وأدخلت الأمطار البهجة إلى نفوس سكان المدينة، فيقول أحدهم ويُدعى كريم صدوق إن "هذه الأمطار أتت في وقت حساس بعدما ندرت المياه، ومكّنت من إحياء تراثنا الطبيعي وتلبية احتياجات السكان من المياه".

بدوره، يقول المرشد السياحي يوسف آيت شيغا: "نحن سعداء جداً بعد الأمطار الأخيرة"، في حين يقود مجموعة من السياح الألمان للتنزّه في بحيرة ياسمينة الممتدّة عند سفح كثبان رملية. يُذكر أن هذه البحيرة ظلت جافة منذ عام 2016، وفقاً لشهادات سكان محليين. وقد عانى المغرب في الأعوام الأخيرة من جفاف حاد بلغ أوجّه في عام 2023، الذي عُدّ "الأشدّ جفافاً على الإطلاق منذ 80 سنة على الأقلّ، مع عجز بلغ نحو 48%" مقارنة بمتوسّط الأمطار في سنة عادية، بحسب ما جاء في تقرير أخير للمديرية العامة للأرصاد الجوية.

وأتت "المفاجأة" من الجنوب والجنوب الشرقي في سبتمبر/أيلول الماضي، حين هطلت أمطار غزيرة، سبّبت كذلك فيضانات أودت بحياة ما لا يقلّ عن 28 شخصاً. يُذكر أنّ تلك المناطق الصحراوية وشبه القاحلة تأثّرت بظاهرة مناخية نادرة تمثّلت في "صعود استثنائي للجبهة المدارية جنوبي البلاد، وتلاقت مع كتل أخرى باردة آتية من الشمال"، وفقاً لمديرية الأرصاد الجوية.

وتتوقع مديرية الأرصاد الجوية في المغرب أن تصير مثل هذه الظواهر المناخية القصوى "متواترة أكثر فأكثر"، معيدةً ذلك "جزئياً إلى تأثيرات تغير المناخ الذي يدفع الكتل الجوية المدارية نحو الشمال". وتوضح الباحثة في علم المناخ فاطمة دريوش لوكالة فرانس برس أن "كلّ المعطيات تشير إلى أنّ ما حدث علامة على تغير المناخ، لكن من الصعب حسم الموضوع في هذه المرحلة؛ إذ لا بدّ من إجراء دراسات، ومن الضروري إعطاء الوقت الكافي للبحث".

على الصعيد المحلي، مكّنت المتساقطات النادرة من رفع مخزون بعض السدود وإنعاش المياه الجوفية ولو جزئياً، في حين تتطلّب العودة إلى الوضع الطبيعي تساقط أمطار بشكل منتظم على مدى طويل، بحسب ما يشدّد خبراء.

وتُعَدّ الأمطار قضية وطنية في المغرب، إذ إنّ نموّ الاقتصاد ما زال مرهوناً بأداء القطاع الزراعي، الذي يوظّف نحو ثلث السكان في سنّ العمل، فيما تعتمد البلاد على تحلية مياه البحر لإنقاذ المدن الأكثر تضرّراً من العطش. وتبعث عودتها البهجة في نفوس القرويين خصوصاً، والسيّاح كذلك. والسائح الفرنسي جان مارك بيروكويرغوين (68 عاماً) من بين هؤلاء السياح الذين فرحوا بالأمطار، فهو من بين المتردّدين بانتظام على منتجعات مرزوكة. ويشبّه سعادته برؤية بحيرة ياسمينة حيّة من جديد بـ"فرحة طفل يتسلم هدية... لأنّني استعدت مشهداً لم أره منذ 15 عاماً".

وتحظى صحارى مرزوكة بشعبية واسعة لدى عشاق هذا النوع من السياحة، وتُعَدّ محطة رئيسية في مسارات الاستجمام في جنوب شرق المغرب، لكنّ الأمطار الأخيرة "زادتها جاذبية"، الأمر الذي أدّى إلى "جذب مزيد من السياح"، بحسب ما يؤكد المرشد السياحي خالد سكندولي.

من جهتها، تصف السائحة الفرنسية ليتيسيا شوفالييه الأمطار الأخيرة بأنها "هبة من السماء. ونحن لم نتعرّف إلى المكان للوهلة الأولى. فقد أصبحت الصحراء خضراء مرّة أخرى، وبات للحيوانات ما تقتات عليه، وعادت الحياة إلى النباتات والنخيل".

وإذا كانت الأمطار الأخيرة قد بدّلت المشهد العام للصحارى الممتدّة في أنحاء عدّة من جنوب شرقي المغرب في الوقت الراهن، فإن "من غير الممكن لتغيّر حاد واحد أن يكون ذي تأثير دائم على المنطقة"، بحسب ما تنبّه فاطمة دريوش. يُذكر أنّ بلدان شمال أفريقيا عموماً تُعَدّ من بين الأكثر تأثراً بالإجهاد المائي، وفقاً لمركز "وورلد ريسورس إنستيتيوت" لأبحاث البيئة.

(فرانس برس)

المساهمون