الأهوار العراقية تشهد أقسى حالات الجفاف

23 يوليو 2023
الجفاف يتمدّد في الأهوار في ظلّ تغيّر المناخ ونقص إمدادات المياه (حيدر محمد علي/ الأناضول)
+ الخط -

تراجعت مناسيب المياه في أهوار جنوب العراق، لتشهد جفافاً لم يُسجَّل قطّ في تاريخها، بحسب ما يفيد ناشطون ومنظمات محلية. وقد جعل ذلك الحياة مستحيلة في تلك المنطقة، فكانت هجرة غير اعتيادية للعراقيين من الأهوار في اتّجاه مراكز المدن بمحافظات البصرة وميسان وذي قار، في حين تقرّ السلطات العراقية بأنّ المخزون المائي تراجع إلى مستويات "خطرة"، وصار الوضع المائي المأزوم في العراق مهدّداً الحياة.

وفي الأسبوع الماضي، زارت وفود من منظمات المجتمع المدني وناشطون في مجالات المياه والبيئة وحقوق الإنسان جنوبي العراق، ونشرت صوراً جديدة عن الوضع في تلك المنطقة، وتحديداً الأهوار، كشفت عن كارثة بيئية غير مسبوقة وسط تراجع حاد في مناسيب المياه، الأمر الذي يظهر "موت" أبرز الأهوار العراقية، وهو هور الحويزة الواقع ما بين محافظتَي ميسان والبصرة.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن المتحدّث باسم وزارة الموارد المائية العراقية خالد شمال قوله، أمس السبت، إنّ "الأرقام المسجلة في الخزانات العراقية هي الأدنى في تاريخ الدولة العراقية، وإنّ أبرز الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع هو قلة الإيرادات المائية من دول الجوار، وتحديداً تركيا وإيران وسورية، نتيجة عدم توقيع اتفاقية مع هذه الدول تحفظ حقوقنا التاريخية في نهرَي دجلة والفرات".

الصورة
أهوار العراق والجفاف (حيدر محمد علي/ الأناضول)
الوضع يشتدّ سوءاً في أهوار جنوب العراق (حيدر محمد علي/ الأناضول)

وأشار شمال إلى "تنفيذ تلك الدول مشاريع كبرى مثل السدود أو استصلاح أراض كبرى، ولذا فإنّ الإيراد الذي يصلنا لا يتعدّى 35% من حقنا الطبيعي، كما أنّ التغيّر المناخي وقلة تساقط الأمطار سواء في دول المنبع أو العراق أدّت إلى هذا الجفاف، فضلاً عن بدائية أساليب الريّ والزراعة في البلاد".

أضاف المتحدث باسم وزارة المزارد المائية أنّ "العراق قام بإجراءات داخلية تمثلت بإزالة التجاوزات على ممرّات نهرَي دجلة والفرات، وتطبيق العدالة في توزيع الحصص لجميع المحافظات وضمان وصول المياه إلى ذنائب الأنهر، وأنّ الحوارات مع دول الجوار تنصبّ على ثلاثة معايير أساسية وهي العمل على الإدارة المشتركة لمصادر المياه، والثاني هو تفعيل مبدأ تقاسم الضرر، والثالث الحفاظ على الحقوق التاريخية للعراق من خلال عرض مشكلتنا أمام المجتمع الدولي أو أيّ جهة من أجل حلّها".

من جهته، قال مدير عام دائرة الخزانات والسدود في العراق علي راضي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، إنّ "الوضع المائي ليس جيداً في العراق، وإنّنا أمام تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة، وإنّ ما تشهده الأهوار حالياً ما هو إلا بداية مرحلة صعبة"، مشيراً إلى أنّ "إقرار وزارة الموارد المائية بأنّ لدى العراق أقلّ مخزون مائي هو أمر خطر".

وأوضح راضي أنّ "الوضع المائي حرج، وأنّ أكثر الشرائح المتضرّرة هم سكان المناطق الجنوبية في العراق، لا سيّما بعد أن ظهرت تلك المناطق وهي من دون مياه، كأنّها اختفت تماماً"، مضيفاً أنّ "ذلك تسبّب في موجة نزوح كبيرة، إلى جانب نفوق أعداد كبيرة من الأحياء المائية، وهذا يدلّ على زيادة معدّلات التلوث وقلة الإيرادات المائية".

في الإطار نفسه، رأى عضو جمعية "حماة دجلة"، المعنية بالملفات البيئية والمياه، حسين العراقي أنّ "الصور الأخيرة التي أظهرت الأهوار بلا مياه بشكل صادم يؤثّر على نحو ثلاثة ملايين عراقي يسكنون في الأهوار أو بالقرب منها، ويعتمدون عليها في مصادر رزقهم، بالتالي باتت لدينا شريحة بلا حياة ولا سكن ولا مصادر رزق".

ووصف العراقي الوضع في أهوار العراق بأنه "مأساوي"، مذكّراً بأنّ الحكومة كانت قد وعدت بالاهتمام بهذا الملف، بالإضافة إلى تخصيص مبالغ مالية من أجل دعم الشرائح المتضرّرة، لكنّها لم تنفّذ أياً من وعودها.

وكان وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي قد أعلن، في وقت سابق، شمول كلّ الأسر في الأهوار بالحماية الاجتماعية، الأمر الذي يعني تصنيفهم فقراء، وبالتالي وجوب تكفّل الحكومة بسداد مخصّصات إعانة شهرية لهم. وقد أتى ذلك بعد "عملية البحث الكبرى التي تجريها (الوزارة) للمناطق الأشدّ فقراً، من ضمنها قضاء الجبايش في محافظة ذي قار" جنوبي العراق، بحسب ما قال الأسدي، في بيان.

والأهوار العراقية التي يتفرّد فيها العراق مسطّحات مائية ضخمة تستمدّ مياهها من نهرَي دجلة والفرات بصورة رئيسية، وتمتدّ في محافظات ذي قار وميسان والبصرة والمثنّى ومناطق حدودية مع إيران جنوبي البلاد وجنوب شرقيها. أمّا أبرزها، فهي أهوار الجبايش والحمّار والشيب والدجيلة، وهي تضمّ أنواعاً عديدة من الطيور والأسماك والنباتات المائية ونبات القصب والبردي، فيما تعيش حولها آلاف الأسر العراقية على الزراعة وصيد السمك وتربية المواشي.

الصورة
عراقيون وأهوار العراق والجفاف (حيدر محمد علي/ الأناضول)
صمود في منطقة الأهوار على الرغم من النزوح الكبير (حيدر محمد علي/ الأناضول)

لكنّ كلّ ذلك لم يعد متوفّراً من جرّاء الأزمة البيئية الناجمة عن التغيّر المناخي، إلى جانب السياسات المائية التي تتّبعها الحكومة العراقية داخلياً، وتلك التي تعتمدها تركيا وإيران خارجياً من خلال القطع المتعمّد لمصادر المياه عن العراق. بالتالي، راح سكان الأهوار يعانون من شحّ مصادر العيش، بالإضافة إلى هجرة نسبة كبيرة منهم إلى المدن.

وخلال السنوات العشر الماضية، فقد العراق نحو نصف مساحة الأهوار بسبب تراجع المياه وعدم توصّل الحكومات العراقية إلى حلول نهائية بشأن حصص العراق المائية مع تركيا من جهة، وإيران التي قطعت الروافد المائية بمعظمها والتي تنطلق من أراضيها وتصبّ في نهر دجلة.

تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي أعلنا في وقت سابق أنّ العراق من أكثر دول العالم تأثّراً بتغيّر المناخ، ما يعني أنّ الزراعة في البلاد قد تكون عرضة لأجواء متطرّفة صيفاً وشتاءً، والأمر يستدعي مواجهة تبعات الأزمة.