في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت رهف المقيد، الطفلة الفلسطينية ذات الضفائر السوداء، تعيش يومًا عاديًا في مدرستها، كانت مشغولة بدورة الصحافة والإذاعة المدرسية، تحلم بمستقبل مشرق لتكون مذيعة تلفزيونية، لكن سرعان ما تلاشت أحلامها مع بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة.
تقف رهف (11 عاماً) اليوم على أنقاض منزلها ومنازل أخرى مدمرة في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، تسترجع بحسرة ذكريات ما قبل الحرب، تتذكر ضحكاتها مع صديقاتها، ورحلاتها مع عائلتها، وأحلامها البسيطة بمستقبل أفضل.
تقول الطفلة، لمراسل "الأناضول": "كنا قبل الحرب نصحو عند الفجر، نصلي ونجهز أنفسنا للذهاب إلى المدرسة، نتعلم ونستفيد، ونقضي أجمل الأوقات مع أصدقائنا". وتضيف: "الاحتلال دمّر حياتنا ومدرستنا وكل شيء، فالمدارس لم تعد تصلح للدراسة، حتى البيوت هُدّمت، والشوارع دُمرت، والناس لم يبق لديها دفاتر وكتب، والمكتبات قُصفت. من يستطيع أن يعوضنا عن ذلك؟".
وتستغرب الطفلة التي بدت على وجهها علامات التعجب صمت العالم أجمع والدول العربية والإسلامية تجاه "حرب الإبادة الجماعية" التي تُمارسها إسرائيل في حق الفلسطينيين داخل قطاع غزة.
وتبدي خوفها كباقي الأطفال من القصف الإسرائيلي وأصوات الانفجارات وتكسير الزجاج وتدمير المباني وسقوط الركام، فضلاً عن أصوات طائرات الاستطلاع المعروفة بـ"الزنانة".
أحلام تبددت في لحظات
وتستذكر الطفلة رهف لحظات عصيبة عاشتها عند قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمنزل العائلة بقذيفة، والنزوح باتجاه أحد مراكز الإيواء في المدرسة القريبة من منزلهم في مخيم جباليا شمال القطاع، هربًا من الغارات العنيفة والمتتالية على المنطقة بأسرها.
وتشير إلى هول الموقف وصعوبة مشهد النزوح وفرار المواطنين الآمنين من أماكن القصف، وتقول: "الحارة كلها صارت تركض، وكانت المناظر في الشوارع مخيفة". وتضيف: "حين قُصف منزل جيراننا أحضروا لمنزلنا شابا مصابا بجراح بسيطة، وكان بالإمكان معالجته، لكن عدم توفر العلاج أدى إلى استشهاده في اليوم التالي، وعم الحزن المكان".
وتؤكد الطفلة الفلسطينية أنه لم يبق هناك أي مكان تلجأ إليه العائلة بعد انتهاء الحرب.
وتشهد الطرقات والأرصفة في شمال قطاع غزة عمليات دفن للشهداء، في ظل عدم قدرة المواطنين على الوصول إلى المقابر العامة بسبب القصف العنيف، وفق الطفلة رهف.
وتخشى رهف من الإصابة في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لعدم وجود مستشفيات قادرة على معالجة المصابين في شمال غزة، وبالتالي ستتألم كثيرًا، وقد يصل بها الحال إلى الموت، وفق وصفها.
الموت جوعاً
وتشير رهف إلى معاناة الفلسطينيين شمال غزة من مجاعة حقيقية نتيجة نفاد المواد الغذائية ومقومات الحياة الأساسية، ما أدى إلى موت البعض جوعاً، وخاصة الأطفال، فضلاً عن موتهم بسبب البرد القارس.
وتقول بحسرة شديدة: "بسبب قلة الطعام، طحن المواطنون الأرز وعلف الحيوانات والشعير، ولم يعد هناك ما نأكله، لا خضار ولا فواكه ولا طحين".
وتتساءل بحسرة: "اقترب شهر رمضان المبارك والجميع بدأ تحضير الأجواء الرمضانية، فيما لا نزال نحن في غزة جوعى، هل ينتظر العالم أن يكتب التاريخ أن أهل غزة ماتوا جوعاً؟!".
ويواجه آلاف الفلسطينيين في شمال غزة خطر الجوع والعطش، ولا سيما الأطفال، حيث تتواصل حرب الإبادة الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر الماضي.
وخلفت هذه الحرب حتى الجمعة 29 ألفاً و514 شهيداً و69 ألفاً و616 مصاباً، معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".
(الأناضول)