استمع إلى الملخص
- تعاني المخيمات من نقص حاد في الموارد الأساسية، حيث تعتمد على فرن وحيد وصيدلية لتلبية الاحتياجات، وتستقبل نازحين من القرى اللبنانية والسورية.
- يواجه النازحون تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، معتمدين على المساعدات المحدودة، ويعبرون عن قلقهم من استمرار الحرب وتأثيرها على حياتهم اليومية.
لم يكن في إمكان التحذيرات الإسرائيلية بوجوب إخلاء المخيمات الفلسطينية في مدينة صور جنوبي لبنان، إلا أن ترعب الأهالي، الذين قرروا النزوح إلى صيدا والشمال.
تتكرّر دعوات العدو الإسرائيلي لأهالي الجنوب بضرورة إخلاء منازلهم، والتوجه نحو شمال نهر الأولي في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، حرصاً على سلامتهم. وتتضمن الرسائل تهديداً بعدم البقاء في منازلهم. وفي وقت سابق، وجه العدو رسائل تهديد شملت 32 قرية لبنانية، كما شملت مخيمي البص والرشيدية في مدينة صور (جنوب لبنان) وتجمعي المعشوق والقاسمية للاجئين الفلسطينيين في صور. ويبلغ عدد المخيمات في صور ثلاثة وهي الرشيدية، البص، برج الشمالي (وصلته تهديدات بالإخلاء في وقت سابق)، وعدد التجمعات ثلاثة وهي الشبريحا (وصلته تهديدات بالإخلاء في وقت سابق)، المعشوق، القاسمية.
هذه الرسائل خلقت حالة من الذعر والإرباك لدى سكان المخيمات والتجمعات الفلسطينية. والتي شهدت نزوحاً مكثفاً، وغادر غالبية الأهالي نحو مدينة صيدا، ومنطقة إقليم الخروب، وشمال لبنان.
في هذا السياق، يقول مسؤول اللجنة الشعبية في عدلون البيسارية محمد بقاعي: "منذ اللحظة الأولى للعدوان، أنذر العدو السكان في مخيم برج الشمالي بضرورة إخلاء منازلهم، ما أحدث حالة من الهلع والإرباك لدى الناس. ولا ملامة على الناس الذين شاهدوا ما حصل في قطاع غزة، والجرائم التي ارتكبها العدو الإسرائيلي الذي لا يتوانى عن استهداف المدنيين تحت أي ذريعة هدفها إبادة السكان".
تحذيرات العدو الإسرائيلي دفعت الأهالي إلى النزوح باتجاه مدينة صيدا، ومنها توجه البعض نحو العاصمة بيروت والشمال وغيرهما. إلا أن عدداً من النازحين عادوا إلى مخيمات صور بعد يومٍ أو يومين بسبب ما عانوه جراء النزوح على الرغم من مخاوفهم واستهداف المساكن الشعبية، ما أدى إلى استشهاد العديد من الناس، بالإضافة إلى استشهاد شابين من مخيم برج الشمالي. كما استهدفت غارة مخيم البص، ما أدى إلى استشهاد أسرة كاملة كانت موجودة في منزلها.
وتجدر الإشارة إلى أن إمكانيات اللجان الشعبية معدومة، وليس هناك ما يمد الناس بمقومات الحياة الضرورية، باستثناء فرن في مخيم الرشيدية. ويأتي السكان الموجودون في المناطق القريبة من المخيم إليه للحصول على الخبز. في المخيم كذلك صيدلية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي الوحيدة التي تفتح أبوابها أمام المرضى بشكل متقطع للسكان الذين لم يغادروا المخيم.
قبل مغادرة عدد كبير من سكان المخيمات بيوتهم، نزح عدد من سكان القرى الجنوبية اللبنانية إلى مخيمي البص والرشيدية، واستقبل الأخير نازحين سوريين. وتواصلت اللجان الشعبية وفصائل منظمة التحرير مع المعنيين اللبنانيين لإيواء النازحين السوريين. أما النازحون اللبنانيون إلى مخيم البص، فقد عملت فصائل منظمة التحرير على استقبالهم، وتأمين متطلباتهم، من فرش وأغطية ومواد تموين. كما استقبل أهالي المخيم بعض النازحين في منازلهم. لكن مع بداية استهداف مخيم البص، نزحت عائلات عدة باتجاه مدينة صيدا.
واستقبل مجمع الشهيد ياسر عرفات الطبي في مخيّم البص جرحى من القرى اللبنانية، ووضعت 70 جثة للشهداء في ثلاجة المستشفى، قبل تسليم الجثامين إلى ذويهم. وأشارت الفصائل الفلسطينية إلى أنها لن تغادر المخيمات تحت أي ظرف للحفاظ على أمن المخيمات واستقرارها. ولا يزال مستشفى مخيم تل الزعتر في مخيم الرشيدية يعمل بوجود ممرضين ومدير المستشفى عماد الحلاق الذي اختار البقاء لعلاج أية حالة طارئة.
واستقبل المستشفى العديد من الجرحى من البلدات اللبنانية. كما أن فوج الإطفاء الفلسطيني ووحدة التدخل والهلال الأحمر موجودة على رأس عملها وضمن إمكانياتها. يشار إلى أن الفصائل الفلسطينية نظمت اعتصاماً في مخيم برج الشمالي مطالبة وكالة أونروا بتقديم المساعدات.
تقول النازحة الفلسطينية من مخيم الرشيدية إلى مخيم نهر البارد (شمال لبنان)، وفاء درباس: "بعدما وصلت رسائل من قبل العدو تنذر مخيم برج الشمالي بضرورة الإخلاء، اضطررنا إلى النزوح من بيتنا منذ ثلاثة أيام. نزحت مع زوجي وأمي التي تعاني أمراضاً خشية قيام العدو باستهداف المخيم وقصفه واجتياحه. إذ لدينا تجربة سابقة مع العدو خلال اجتياحه لبنان، ومع حرب الإبادة الجماعية في غزة". تضيف: "وصلنا إلى مخيم نهر البارد بعد عناء طويل، وأقمنا في منزل قدمه لنا شخص في المخيم. نمنا يومنا الأول على البلاط بعدما وضعنا أكياساً على الأرض. في اليوم الثاني، سجلنا أسماءنا لدى إحدى الجمعيات، فقدموا لنا فرشتين ومخدة على اعتبار أن عدد النازحين في المخيم كبير جداً. نحاول التكيف مع الوضع الجديد. هذه حياتنا من تهجير إلى تهجير".
وتشير إلى أن في المخيم نازحين من مخيم شاتيلا في بيروت والبص والرشيدية وتجمع القاسمية. وتوضح: "نتدبر أمورنا بما تقدمه لنا الجمعيات التي تستطيع المساعدة. لم نستطع إحضار المواد التموينية التي كانت في منزلنا. جلبنا معنا بعض المال لتدبر أمورنا إلى أن ينفد. نشتري المعلبات لنأكل، إذ ليس لدينا غاز للطهي. لكن أهل المخيم يقدمون لنا بعض المساعدات. الوضع الاقتصادي صعب جداً. إذا طالت الحرب، فربما لن نستطيع تأمين قوت يومنا". وتقول: "لم نتوجه إلى المدرسة التي فتحتها أونروا في المخيم للنازحين بسبب مرض أمي، كما أن هناك اكتظاظاً في الغرف، وكل غرفة تضم حوالي 25 شخصاً".
من جهتها، تقول مريم وجدان المتحدرة من لوبية قضاء طبريا بفلسطين، والنازحة من مخيم اليرموك في سورية إلى مخيم البص ومنه إلى شمال لبنان: "نزحت من مخيم اليرموك في سورية عام 2013 بسبب الحرب. توجهت مع عائلتي وأولادي الثلاثة إلى مخيم البص. منذ 11 عاماً، ونحن نحاول ترتيب أمورنا قدر الإمكان. حاولنا عدم التقصير مع أولادنا، كنت أعمل مع زوجي. وعندما بدأ التهديد والاستهداف للجنوب، بقينا في بيتنا على الرغم من قصف البلدات القريبة منا. وبعدما وصلتنا رسائل التهديد بضرورة إخلاء البيوت، خفنا ونزحنا من البص متوجهين إلى منطقة وادي الزينة في قضاء الشوف (جبل لبنان) ومن وادي الزينة إلى مخيم نهر البارد، شمال لبنان. هذا النزوح فتح جراحنا وذكرنا بيوم نزحنا من سورية، يوم خرجنا من بيوتنا بالملابس التي على أجسادنا فقط، والأمر يتكرر اليوم".
تضيف: "نسكن اليوم عند إحدى العائلات، ونحاول البحث عن غرفة. عادت المعاناة من جديد، أي معاناة البحث عن فرش لننام عليها. أتمنى ألا تطول الحرب حتى نعود إلى بيتنا. تواصلنا مع اللجنة الشعبية في المخيم، وبعض الجمعيات التي تقدم المساعدة لنحصل على فرشة وبعض الأمور الضرورية".
أما عبير خليل المتحدرة من بلدة الخالصة بفلسطين، والمقيمة في تجمع القاسمية للاجئين الفلسطينيين، فتقول: "عندما بدأ العدوان على جنوب لبنان، عند الحدود الأمامية مع فلسطين المحتلة، كنا نسمع القصف، لكن بقينا في بيوتنا. وعندما اشتد العدوان، صارت تسقط بالقرب من بيوتنا بعض القذائف، عدا عن الأصوات المرعبة. على الرغم من كل الخوف، بقينا في بيوتنا. لكن بعدما وصلت رسائل التهديد من العدو، قررنا المغادرة. نحن ست عائلات، أشقائي وأولادهم وأولادي وأبي وأمي نزحنا إلى مخيم عين الحلوة عند أقارب لنا". تضيف أن "الوضع الاقتصادي صعب جداً. وجودنا هنا يتطلب مالاً. ونحن كغيرنا من الناس الذين نزحوا، لا نملك المال. نشعر بالذل ولا نعرف ماذا سنفعل إذا طال أمد الحرب".