يحاول أهالي مسافر يطا، التي تضم 35 قرية بين تجمّعين فلاحي وبدوي، جنوب الخليل، جنوب الضفة الغربية، خلق متنفس لأطفالهم وعوائلهم لتخفيف وطأة الاعتداءات اليومية ومحاولات التهجير الممنهجة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضدهم، خاصة الأربعة عشر تجمعاً بدوياً، التي هي الأكثر تعرضاً للتنكيل والتضييق على يد الاحتلال.
وأخيراً، افتتح الأهالي متنزهاً صغيراً يحوي أراجيح وملاهي بسيطة للأطفال في قرية سوسيا، شرق مسافر يطا، لكن الاحتلال ومستوطنيه يصرّون على حرمان الفلسطينيين هناك من أي فرصة لممارسة حياة هادئة وعادية.
ويقول حمدان محمد، وهو أحد الأهالي والناشطين في قرية سوسيا، لـ"العربي الجديد": "أراد الأهالي والناشطون افتتاح المتنزه لحثّ الأطفال على تفريغ الضغوط النفسية التي يتعرّضون لها بسبب اعتداءات المستوطنين والاحتلال ومشاهد الهدم اليومية من حولهم ومحاولات الترحيل، لعلهم يعيشون جزءاً من طفولتهم المسلوبة في مسافر يطا".
وقبل شهرين، افتتح أهالي سوسيا المتنزه الصغير الذي عملت على إنجازه إحدى المؤسسات مع الناشطين والأهالي لمدة عام كامل، ما أحيا البهجة في قلوب الأطفال. لكن ما أن فرغ المستوطنون من أعيادهم اليهودية، أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حتى عادوا للاعتداء على الأهالي ولمطالبة جيش الاحتلال بهدم المتنزه، الذي تعرّض لهجمات المستوطنين عليه أربع مرات خلال أقل من شهر، كان آخرها في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
يقول حمدان: "هاجم أكثر من سبعين مستوطناً المتنزه، أثناء لعب الأطفال بداخله، وقاموا باقتحام متنزه سوسيا بحماية جيش الاحتلال، واستغلّوا غياب معظم الرجال والشبان لقطف الزيتون. وكان في المتنزه عدد من كبار السن الذين لم يقووا على التصدي للاقتحام. وقد طالب المستوطنون خلاله جيش الاحتلال بهدم المتنزه ومهاجمة الأطفال أثناء اللعب".
ويضيف حمدان: "الهجوم أصاب الأطفال بالذعر، فحاول بعضهم الفرار، خاصة أنّهم اقتحموا المتنزه برفقة الكلاب، ولولا وجود الكاميرات وبعض الناشطين الأجانب لتمادى المستوطنون في اعتدائهم على الأطفال ومنطقة اللهو المخصّصة لهم".
وخلال اقتحام المستوطنين للمتنزه، كان الطفل أحمد نصر نواجعة يلعب على السحاسيل والأراجيح، لكنه لم يقوَ على البقاء صامتاً، ورغم غياب من يحميه من رجال القرية أو الناشطين، تصدى الطفل الذي لم يتجاوز عامه الحادي عشر للمستوطنين وخاطبهم قائلاً: "أنتم دولة احتلال، وهذه أفعال إرهابية تمارسونها ضد الأطفال"، وقد خاطب جيش الاحتلال أيضاً، مستنكراً الحماية الدائمة التي يوفّرها للمستوطنين.
يُذكر أنّ أحمد تعرّض قبل سنوات للملاحقة من قبل المستوطنين وشرطة الاحتلال أثناء عودته من المدرسة إلى المنزل، ويتولى والده إلى جانب ناشطين آخرين من الأهالي شدّ أزر قرية سوسيا في مواجهة مخططات الترحيل المتتالية منذ العام 1983.
وعام 1983، بدأ الاحتلال مخطط تهجير الأهالي من قرية سوسيا الأصلية، ثم شيّد الأهالي على مقربة منها قرية سوسيا الجديدة، التي بدأت معاناة أهلها مع محاولات الترحيل الجديدة لهم منذ العام 1993، وبلغت ذروتها عام 2014.
ويقول الناشط نصر النواجعة، لـ"العربي الجديد": "المتنزه الذي تمّ الاعتداء عليه ويقتحمه المستوطنون بصورة مستمرة هو من وسائل الترفيه التي نحاول خلق الأمان عبرها لأطفال المسافر وقرية سوسيا، هذا بالإضافة إلى تنظيمنا بعض المخيمات الصيفية. لكننا مع انتشار فيروس كورونا، قبل أكثر من عام، لم نستأنف تلك المخيمات، لذلك لم يعش أطفال سوسيا أي فرصة للتفريغ أو الترفيه. وجميع وسائل وأدوات الترفيه هنا هي مؤقتة، إذ هكذا يريدها الاحتلال".
ويرى النواجعة أنّ الاحتلال يتجاوز بملاحقته لوسائل الترفيه المحدودة في منطقة مسافر يطا، كل المواثيق والقوانين الدولية. ويضيف غاضباً، في حديثه لـ"العربي الجديد": "نحن نتحدث هنا عن اقتحام من أجل سحاسيل وبعض أراجيح الأطفال. يجب أن يعرف العالم ماذا يفعل بنا الاحتلال، ويجب فضح صورته الدولية، أمّا نحن في المسافر فنستطيع تنظيم المظاهرات والاحتجاجات ضدّ سياسة الاحتلال، وأنا شخصياً عمري اليوم 40 سنة، لكنني لم أعِش طفولتي مطلقاً. ما مررت به بعد بلوغي العشرين سأنساه، لكن كيف سأنسى ما يفعله الاحتلال ومستوطنوه بأطفالنا؟! كل ما يراه هؤلاء الأطفال خلق لديهم شعورا دائما بالأسى".