كان الحلم الأخير للثمانيني الفلسطيني عمر أسعد أن يحصل على ما يعرف بـ"لم الشمل"، وهو بطاقة الهوية الفلسطينية، ليتسنى له السفر لزيارة أبنائه وبعض أفراد عائلته في الولايات المتحدة الأميركية، من دون خشية منعه من دخول فلسطين عند العودة، لكن الحلم لم يتحقق.
اقتحمت قوة عسكرية إسرائيلية، فجر 12 يناير/كانون الثاني الجاري، قرية جلجليا شمالي رام الله، ونكلت بالمسن عمر أسعد، فاستشهد خلال الاعتداء عليه.
تبكي "أم هاني"، زوجة الشهيد عمر أسعد، زوجها وحيدة في غياب أبنائها وبناتها المقيمين في الولايات المتحدة، وهم اثنان من الذكور وخمس من الإناث، وجميعهم لا يملكون بطاقة الهوية الفلسطينية، مثلها، ومثلما كان زوجها، وبسبب القيود الإسرائيلية لمكافحة فيروس كورونا، لم يتمكنوا من المشاركة في جنازة والدهم.
وتقول أم هاني لـ"العربي الجديد": "أبنائي لا يستطيعون المجيء، فهم لا يملكون بطاقات هوية فلسطينية، وأنا وزوجي كنا ننتظر الحصول على الهوية لكي نستطيع السفر إليهم، منذ عدنا إلى فلسطين قبل 11 عاماً، قدمنا معاملة لم الشمل، وننتظر منذ ذلك الحين، لكن عمر استشهد قبل أن يتحقق الحلم".
ساعة واحدة قضاها أسعد مع شقيقه عامر القادم من الولايات المتحدة، والذي وصل قبل يومين فقط من استشهاد شقيقه الأكبر، بعد غياب 16 عاماً عن فلسطين.
ويطالب عامر أسعد بحق شقيقه الشهيد، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه "لم يعتد على أحد، ولم يفعل شيئاً، بل تعدى عليه جنود الاحتلال، ونطالب بمحاكمة هؤلاء الجنود الذين اعتدوا على عمر من دون سبب. كان شقيقي ينتظر أن يحصل على بطاقة الهوية لكي يسافر، ويقيم عرساً لابنه في الولايات المتحدة، وقبل أسبوعين، قررت أن أحضر إلى فلسطين لأمضي بضعة أيام معه في القرية، ووصلت فعليا قبل يومين، ولم أجلس معه سوى ساعة واحدة قبل أن ينال الشهادة".
ويقول عبد الإله أسعد، ابن عم الشهيد عمر، لـ"العربي الجديد"، من مجمع فلسطين الطبي برام الله: "رأيته ليلة استشهاده في بيت قريب للعائلة في جو فرح، ثم توجهت إلى منزلي لأنام، وبعد ساعتين أو ثلاث أيقظني اتصال هاتفي يخبرني بأن طريق عودة ابن عمي عمر إلى منزله أصبحت طريقه إلى الشهادة".
ويضيف عبد الإله أن "جنود الاحتلال أوقفوا المركبة التي يقودها الشهيد عمر، وأنزلوه بالقوة منها، قبل أن يكبلوا يديه، ويطرحوه أرضاً، ويعتدوا عليه".
وقال شاهد العيان، رضا توفيق، لـ"العربي الجديد": "ستة من جنود الاحتلال أحاطوا بالمركبة، وفتحوا الباب، وسحبوه بالقوة، ولم أكن وقتها أعرف بعد أنه المسن عمر أسعد، ولأكثر من عشر دقائق، كان الشهيد عمر خلف المركبة محاطاً بالجنود الذين يصرخون، ثم قيدوه، وغطوا عينيه، وأخذوه".
ممدوح عبود، هو شاهد عيان ثان اعتقله جيش الاحتلال بعد اعتقال المسن عمر، أثناء مروره من جلجليا نحو عمله، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "جنود الاحتلال اعتقلونا بأسلوب همجي، ونقلونا إلى ساحة بيت قيد الإنشاء، ورأيت قدمي إنسان ملقى بين أكياس الإسمنت. ولم أكن أعرف بعد أنه الشهيد عمر أسعد، ولاحقاً قام أحد جنود الاحتلال بقص قيود الشهيد، وبعد انسحابهم ذهبت إليه، فوجدته ملقى على وجهه، ورأسه مغطى، فرفعت رأسه، لأكتشف أن النبض متوقف".