"الاستيطان الزراعي"... أسلوب جديد للسيطرة على الأراضي الفلسطينية

17 اغسطس 2024
يستولي المستوطنون على الأراضي بحماية جيش الاحتلال (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الاستيطان الرعوي والزراعي في الضفة الغربية:** الاحتلال الإسرائيلي استحدث "الاستيطان الرعوي" و"الاستيطان الزراعي"، حيث استولى المستوطنون على أكثر من 300 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، خاصة لزراعة كروم العنب.

- **الاستيطان الزراعي في محافظة الخليل:** خلال السنوات الخمس الماضية، استولى الاحتلال على نحو 800 دونم في الخليل لاستخدامها في زراعة كروم العنب، بهدف إحلال المستوطنين بدلاً من الفلسطينيين.

- **التأثيرات والممارسات الإسرائيلية:** الاحتلال يقلل من كميات المياه المخصصة للخليل، ويعزز الاستيطان الزراعي عبر التعامل مع البؤر الاستيطانية كمستوطنات مشروعة، ومنع الفلسطينيين من الوصول إليها، وتدمير المقومات الزراعية الفلسطينية.

استحدث الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة أشكالاً جديدة من الاستيطان، أحدثها ما يعرف بـ"الاستيطان الرعوي"، أو الاستيلاء على الأراضي بحجّة "أملاك الدولة" أو أوامر الاستملاك، ثم برز أسلوب استيطاني جديد يعرف بـ"الاستيطان الزراعي" وتحديداً كروم العنب. 
ويعد الاستيطان الرعوي أحد أبرز الأساليب، إذ استولي المستوطنون الرعاة على أكثر من 300 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، ما يقدر بنحو 10% من مساحتها، قبل أن ينتقل الاحتلال إلى مرحلة الاستيطان الزراعي عبر بوابة الاستيطان الرعوي، وكلّ هذا على حساب المزارع الفلسطيني وأملاكه. 
في محافظة الخليل، استولى الاحتلال خلال السنوات الخمس الماضية على نحو 800 دونم لاستخدامها في الاستيطان الزراعي المتمثل بزراعة كروم العنب. ويقول الباحث في مركز أبحاث الأراضي راجح التلاحمة لـ"العربي الجديد": "تقوم فكرة الاستيطان الزراعي على زراعة النباتات الفلسطينية الأصيلة على الأراضي الرعوية الخالية من الأشجار، والتي يسيطر عليها الاحتلال ويقدمها للجماعات الاستيطانية، والتركيز في الخليل على العنب لما يحمله من انعكاس للهوية الثقافية الزراعية للمحافظة".

استولى الاحتلال خلال خمس سنوات على نحو 800 دونم في الخليل

يضيف التلاحمة: "مناطق الاستيطان الزراعي الرعوي بالخليل تتركز في جنوب شرق مدينة يطا، بمنطقة عين البيضاء، حيث استولى الاحتلال على نحو 150 دونماً، وسلّمها لمستوطنين زرعوها عنباً، وكذلك جنوب بلدة السموع، حيث زرعوا نحو 40 دونماً، وفي شرق بلدتي الشيوخ وسعير، زرع مستوطنو مستوطنة أسفير قرابة 200 دونم من العنب، إضافة إلى المناطق الغربية في المحافظة عند منطقتي خلّة طه وأم حذوى قرب مستوطنة نيجهوت، حيث يعمل الاحتلال على إكمال زراعة 300 دونم من العنب، وذلك كله على حساب أراضي الفلسطينيين التي تم الاستيلاء عليها". 
يتابع: "اللافت في المناطق المذكورة أنها تتركز على أطراف المحافظة، ما يوحي للعابر أنها مناطق إسرائيلية، وذلك في سياق تنفيذ الاستيطان الإحلالي عبر إحلال المستوطنين بدلاً من الفلسطينيين، ثم زراعة البؤر الاستيطانية، وذلك كلّه ضمن ممارسات الغزو الزراعي الذي يقوم به الاحتلال بهدف نقل الصراع بعيدا عن الأرض والأحقية بها، إلى الصراع فيما هو عليها، وسعي الاحتلال ليصبح الصراع حول كون المنتج الزراعي فلسطينياً أم إسرائيلياً". 

الاستيطان الرعوي يقود إلى الاستيطان الزراعي (حازم بدر/ فرانس برس)
الاستيطان الرعوي يقود إلى الاستيطان الزراعي (حازم بدر/فرانس برس)

ولا يمكن فصل التخفيضات الإسرائيلية لكمّيات المياه التي تزود بها الخليل، والتي وصلت إلى نحو 40% قبل نحو شهرين، عن سياق الجهود الاستيطانية الزراعية، إذ تنتقل حصّة المزارع الفلسطيني للمستوطن الإسرائيلي.
ويوضح التلاحمة أن "الاحتلال ينتهج أساليب أخرى في تعزيز الاستيطان الزراعي؛ بهدف تغيير صفة الاستخدام الفلسطيني للأراضي، ومنها التعامل مع البؤر الاستيطانية الزراعية على أنها مستوطنات قائمة ومشروعة، وحظر الاقتراب منها، ومنع الفلسطيني من الوصول إليها، ووضع أبراج مراقبة حولها، والعمل على تدمير كلّ المقوّمات الزراعية الفلسطينية، مثل آبار المياه، وملاحقة أصحابها، ودعم المستوطنين في إفلات أغنامهم على أراضي الفلسطينيين الزراعية، حتى تطور الاستيطان الرعوي من رعي الأغنام والمواشي، إلى رعي الأبقار".
لا يتوقف هذا النوع من الاستيطان على محافظة الخليل، إذ ينشط في مناطق شمالي الضفة الغربية، حيث يُستخدم في سياق تجاري واقتصادي، كما في مستوطنة "بسجوت" الواقعة شمال مدينتي رام الله والبيرة، والتي تتركّز فيها زراعة الأشجار الفلسطينية الأصيلة، بما فيها كروم العنب وأشجار الزيتون، واستخراج النبيذ والزيت، وتصديرهما للخارج، بما فيها إلى دول عربية. 
ويقول مدير دائرة الوسط في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية صلاح الخواجا لـ"العربي الجديد": "مشهد الاستيطان الزراعي في الخليل تكرر سابقاً في مناطق الأغوار المشهورة بزراعة العنب، وذلك بدعم لا محدود من الجمعيات الاستيطانية النشطة في الضفة، وعددها 63 جمعية، من أبرزها جمعية رحليم والصندوق القومي اليهودي الذي يدعم المشاريع الاستيطانية الزراعية، لا سيما في المحميات الطبيعية التي يحولها الاحتلال بدعم الصندوق إلى كيبوتسات (مستوطنات) زراعية".

ويضيف الخواجا: "هدف الاستيطان الزراعي هو ضمّ المزيد من الأرض الفلسطينية، بأقل التكاليف، دون الحاجة إلى نشر مخططات هيكلية وتفاصيل بناء البؤر مستقبلا، يكفي أن يوجد عدد من المستوطنين الرعاة، ثم يستولون على أرض ويزرعونها، وسط حماية الجيش للمستوطنين الذين هم أصلاً مسلّحين. هذا الاستيطان يسهل ربط المستوطنات بعضها ببعض، كما جرى في مناطق شرق نابلس في قريتي عقربا وبيت دجن، وأيضاً قرى شمال رام الله حيث سيطر الاحتلال على مساحة خمسة تجمعات بواقع 150 ألف دونم من دون تكاليف تذكر، مستخدماً نهج الاستيطان الرعوي، ولاحقاً تحويل البؤر من الرعي إلى الزراعة، تمهيدا لشرعنتها حتى تصبح في إطار قانوني". 
يتابع: "تقضي الاتفاقيات والمواثيق الدولية، مثل ميثاق روما المؤسس لعمل محكمة الجنايات الدولية، بأن الاستيطان غير شرعي، لكن الاحتلال واجه هذه القرارات بشرعنة قانون "تسوية الأراضي" في الضفة الغربية، ما يعني قانونية سلوك المستوطن عبر الاستيطان بمختلف أشكاله، بما فيها الزراعي، والذي يبدو ظاهراً بشكل لافت في مختلف مناطق الضفة، وذلك كله يخالف اتفاقية جنيف الرابعة، وقرارات الأمم المتحدة".