البحر المتوسط أكثر فتكاً بالمهاجرين بسبب قيود إيطاليا

07 يناير 2025
مهاجرون وصلوا إلى إيطاليا. 7 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت أعداد المهاجرين عبر البحر المتوسط انخفاضًا ملحوظًا إلى 65 ألف شخص في العام الماضي، نتيجة للسياسات الأوروبية المتشددة، خاصة من قبل إيطاليا التي عقدت اتفاقات مع دول مثل ليبيا وتونس.
- تعهدت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني بمكافحة الهجرة كأولوية، مما أدى إلى توقيع اتفاقات ثنائية، ورغم الانتقادات، ساهمت هذه السياسات في تقليل أعداد المهاجرين.
- أثرت السياسات الإيطالية على عمليات الإنقاذ، حيث انسحبت منظمات غير حكومية، مما أدى لاستمرار حوادث الغرق وفقدان الأرواح بين المهاجرين.

يتيح تتبع أرقام مفوضية شؤون اللاجئين الأممية ووكالة حرس الحدود والسواحل التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) ملاحظة انخفاض أعداد المهاجرين الذين عبروا البحر المتوسط إلى الضفة الأوربية خلال العام الماضي إلى 65 ألف شخص، أي نحو النصف مقارنة مع أرقام عام 2023، والذي شهد وصول 125 ألف لاجئ القوارب من سواحل ليبيا وتونس في شكل رئيسي.
واللافت أن هذا الانخفاض لا يرتبط بتحسّن أوضاع الدول التي يغادرها المهاجرين، بل بسياسات الهجرة التي تتبعها الدول الأوروبية، وخصوصاً إيطاليا، علماً أن منظمة "كامنندو فرونتيراس" غير الحكومية أعلنت أخيراً أن أكثر من 9700 مهاجر سرّي توفوا خلال محاولتهم الوصول إلى إسبانيا عبر مياه المحيط الأطلسي المؤدية إلى جزر الكناري خلال العام الماضي، والذي وصفته بأنه "العام الأكثر دموية في عدد الضحايا الذين تجاوزوا 10400 خلال الرحلات السرّية إلى شواطئ الضفة الأوروبية للبحر المتوسط".
ويرى مراقبون أن التفسير الأكثر واقعية لانخفاض أعداد المهاجرين يرتبط بتعهد رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني جعل مكافحة اللجوء والهجرة أولوية، وعقدها اتفاقات ثنائية مع دول خارج القارة الأوروبية لتقييد ومكافحة موجات الهجرة السرّية، بحجة أن الاتحاد الأوروبي لم يبد تضامناً كافياً معها، رغم أن الاتحاد شرّع أبواب التشدد عبر عقد اتفاق مع تركيا في عام 2016 لوقف التدفق نحو اليونان، واستعادة أنقرة من تعيدهم أثينا مقابل نحو أربعة مليارات يورو سنوياً.
وقبل وصولها إلى الحكم في عام 2022، بشّرت ميلوني باتفاقات ثنائية مع دول حوض المتوسط الجنوبية، وواصلت ما خطط له حليفها ماتيو سالفيني حين كان وزيراً للداخلية، والذي عقد اتفاقات مع قوات خفر السواحل الليبية لمنع إبحار قوارب من شواطئ ليبيا خلال عامي 2018 و2019.
واستناداً إلى اتفاقات أوروبية مع تونس وليبيا، عززت ميلوني تعاونها مع البلدين للحدّ من تدفق المهاجرين إلى بلدها، من خلال تقديم حزم مالية مغرية، ومعدات لملاحقة القوارب التي يديرها مهربو البشر.

عاملان في منظمة "أطباء بلا حدود" يساعدان مهاجراً في ميناء روتشيلا يونيكا، 9 سبتبمر 2024 (Getty)
عاملان في منظمة "أطباء بلا حدود" يساعدان مهاجراً، 9 سبتمبر 2024 (Getty)

ورغم الانتقادات الحقوقية لغياب الشفافية في الاتفاقات التي أبرمتها روما مع دول جنوب البحر المتوسط، ومساهمتها في انتهاكات تعرّض لها مهاجرو جنوب الصحراء الأفارقة، من بينها إطلاق النار على القوارب وإغراق بعضها، واصلت ميلوني التفاخر بما حققته سياساتها المتشددة في الحدّ من التدفق بحراً نحو الجزر المتوسطية لإيطاليا.
ويعتقد متخصصون في سياسات إيطاليا، من بينهم أستاذ الأنثروبولوجيا السياسية لويجي أتشيلي أن "انخفاض أعداد المهاجرين السرّيين يمكن أن يكون له تكاليف أخلاقية وإنسانية كبيرة"، مشدداً على أن "الاتفاقات الثنائية بين إيطاليا ودول في شمال أفريقيا تحقق نتائج سياسية على المدى المنظور، لكنها استراتيجيات غير موثوقة، ولا أسس أخلاقية لها على المدى الطويل. المهاجرون الذين لا يستطيعون الإبحار من ليبيا قد يتوجهون إلى تونس أو يجدون طرقاً أخرى، ما يخلق ديناميكية القط والفأر، إذ سيطارد الاتحاد الأوروبي إلى الأبد التيارات المتغيّرة للهجرة من دون مواجهة أسبابها الأساسية".
وتتهم روما أيضاً بالتسبب من خلال سياساتها المتشددة في انسحاب منظمات غير حكومية تساهم في إنقاذ ركاب القوارب المتهاكلة، من بينها منظمة "أطباء بلا حدود" التي أكدت أنها أوقفت نشاطاتها "في ظل القوانين الإيطالية السخيفة التي لا معنى لها"، في إشارة إلى عرقلة البحرية الإيطالية عمل سفن الإنقاذ.

وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت "أطباء بلا حدود" أن سفينتها "جيو بارنتس" لم تعد تستطيع الوفاء بالتزام إنقاذ الأرواح، علماً أنها اضطرت في إحدى الحالات إلى الإبحار مسافة تزيد عن ألف كيلومتر لإنزال 16 مهاجراً فقط، في حين تتسّع لنحو 600 راكب. وكانت روما فرضت غرامات مالية هائلة على منظمات مختلفة، ما دفع بعضها إلى وقف عمليات الإنقاذ. 
وفي اليومين الأولين من العام الجديد، قضى 27 مهاجراً قبالة شواطئ مدينة صفاقس التونسية، وفقد 20 مهاجراً على الأقل غرق مركبهم بعدما انطلق من ليبيا إلى إيطاليا. وسبق ذلك فقدان عشرات أرواحهم بين 12 و18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، علماً أن بيانات منظمة الهجرة الدولية تفيد بفقدان عشرات آلاف من مهاجري القوارب أرواحهم في السنوات العشر الماضية، خصوصاً خلال رحلات من تونس وليبيا إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية وشواطئ أخرى على الضفة الأوروبية للبحر المتوسط.