بدأت الجامعات الفلسطينية عامها الدراسي بتاريخ محدد، وكانت نهايته بتاريخ معلن؛ وهكذا تحددت مواعيد الدوام الأكاديمي للأساتذة والطلاب، وباتت أرقام وأسماء القاعات جاهزة في مختلف التخصصات، ومدة كل فصل دراسي، والساعات المقررة للمواد، ومواعيد امتحاناتها النهائية، بما يسمح للطلاب بتنسيق المواد المطلوبة منهم في الفصلين الدراسيين، وحتى الراغبين في الفصل الصيفي.
لكن هذا يظل بحاجة إلى تسييل من خلال دفع الرسوم، إذ لا إمكانية لمتابعة الدراسة قبل دفعها. بالطبع لا تلتزم الجامعات بتفاصيل القرار حرفياً، فلكل من التخصصات والكليات أحكامها، وبالطبع يخضع الطلاب لمجريات تطور الأوضاع، سواء إجراءات الاحتلال في الضفة، أو الاشتباكات وعمليات القصف في قطاع غزة، وهو ما يقود إلى تعديلات على التواريخ المعلنة من أجل إكمال المناهج المقررة في كل فصل دراسي.
لكن الجامعات الفلسطينية لا تغطي الجامعيين الفلسطينيين الذين يتوزعون على جامعات المنطقة والعالم، مع ضرورة الإشارة إلى أن جامعات مصر ولبنان والأردن وسورية تستقطب القسم الأوفر من هؤلاء الطلاب، وسط سوق عمل بات يشترط كفاءات علمية عالية.
وفي خارج فلسطين لا يوجد ما يمكن أن نطلق عليه "جامعة فلسطينية"، والمحاولة الوحيدة التي بذلت من جانب وكالة "أونروا" لتأسيس جامعة في لبنان لم يكتب لها النفاذ، علماً أن الفرصة لو توافرت شروطها لكانت متاحة. وعليه يظل الطلاب الفلسطينيون يتوزعون على الجامعات الرسمية بمقدار معين، والعدد الأقل منهم في كليات مثل الطب والهندسة والزراعة والعلوم والحقوق.
أما الجامعات الخاصة، فالشرط الوحيد هو دفع القسط بعد الخضوع لامتحان قبول لتحديد مستوى الطالب العلمي في الثانوية العامة، ومدى قدرته على النجاح في المجال الذي اختاره، أو اقترحته الجامعة عليه. وكذلك الوضع في باقي الجامعات العربية.
ويبقى الأهم هو القدرة على دفع الأقساط، وهنا ندخل في الجانب الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني، وأشكال التضامن العائلي والمساندة الفصائلية تلعب دورها أحياناً في تأمين المال، وبالتالي حجز مقعد دراسي. فمن المعلوم أن المجتمع الفلسطيني لا تختزله المخيمات ولا الفئات العليا ذات الدخل المرتفع، وهنا يحدث ما يشبه "الفرز الطبقي" بالنظر إلى "دولرة" التعليم في القطاع الخاص، وهو فخ لا ينفذ منه إلا أصحاب الثروات، خصوصاً ونحن نتحدث عن تخصصات علمية باتت كلفتها السنوية تفوق الـ25 ألف دولار مع ما يضاف إليها من نفقات.
يحدث هذا وسط حالة من البطالة المتفشية في وسط الخريجين وباقي الفئات. وهكذا تقفل الأبواب أمام فئات طامحة لإكمال علومها، ويزيد الطين بلة تراجع الدول والجهات المانحة عما كانت تقدمه من منح تخصص، نتيجة عدم تسديدها بعد التخرج، أو ضغط موازناتها بالنظر إلى الأزمات التي تغرق فيها منذ وباء كورونا، ومضاعفات الحرب الأوكرانية على اقتصادات الدول والشركات والأفراد.
تكاد هذه الوقائع تُفقد الشعب الفلسطيني تلك الميزة التي لطالما تباهى بها، والمتمثلة بأعلى نسبة من المتخرجين الجامعيين في الدول العربية، ومن مخاطر هذا الوضع أنه يضاعف البؤس الذي يعانيه هذا المجتمع وسط تخلٍ عربي ودولي عن الوقوف إلى جانبه في محنته المتواصلة منذ سبعة عقود.
(باحث وأكاديمي)