تؤكد الحكومة الصومالية أن هطول الأمطار الموسمية المعروفة محلياً باسم "دير"، تسببت في فيضانات بمعظم الولايات الفيدرالية، وألحق أضراراً بنحو مليوني شخص، وانهيار البنية التحتية الأساسية، ومقتل 96 شخصاً على الأقل.
وتعتبر مدينة بورطوبي في إقليم جدو (جنوب) من بين الأكثر تضرراً، إذ حاصرتها المياه من جميع الاتجاهات، ما جعلها مفتوحة جواً فقط، وزاد تعقيدات الحياة فيها، وإثر ارتفاع منسوب مياه نهر جوبا، أحد أطول الأنهار في البلاد، غمرت مياه الفيضانات نحو 95 في المائة من أحياء بورطوبي التي تقدر مساحتها بنحو 100 كيلومتر مربع، وأجبرت معظم سكانها الذين يتراوح عددهم بين 48 و50 ألفاً على النزوح من منازلهم، وفق الإدارة المحلية، كما دمّرت السيول الجارفة مئات المنازل في عشرات القرى، وتسببت في وفاة 7 أشخاص على الأقل.
وانشغلت قوارب في محاولة إنقاذ عشرات الأسر التي علقت وسط أحياء المدينة الغارقة، ونقل أفرادها إلى منطقة جبال تُلِي. وتعمل 4 قوارب في بورطوبي يومياً لإنقاذ السكان. يقول عباس أحمد الذي يملك قارباً يشارك في عمليات الإغاثة بالمدينة لـ"العربي الجديد": "وفرت الحكومة الصومالية 4 قوارب لاستخدامها في إنقاذ السكان في حال حاصرت الفيضانات مناطق جديدة في المدينة أو القرى المحيطة. وأنقذت هذه القوارب وتلك الخشبية التي يستخدمها السكان عشرات من الأسر التي حاصرت الفيضانات منازلها".
غمرت مياه الفيضانات نحو 95 في المائة من أحياء مدينة بورطوبي الصومالية
وفي مواجهة نكبة الفيضانات باتت جبال تُلِي غربي المدينة ملجأ للفارين، لكنهم يواجهون معاناة انعدام أبسط مقومات الحياة. وتقول زينب عثمان التي لجأت إلى منطقة جبلية لـ"العربي الجديد": "فقدنا كل ما نملك من أموال ومقتنيات، وخرجنا بما نلبسه فقط إلى مكان لا تتوفر فيه أبسط وسائل العيش. لا تصل مياه الفيضانات إلى المنطقة الجبلية، لكن معظم الأسر النازحة لا تملك أماكن للاحتماء من مياه الأمطار والبرد ليلاً والشمس نهاراً".
وتعكس زحمة الأكواخ في منطقة جبال تُلِي بمدينة بورطوبي حجم النزوح الذي شهدته المدينة، في ظل مخاوف من انتشار الأمراض المعدية في صفوف النازحين. يقول جابر عبد الرحمن، وهو أب لثلاثة أولاد، لـ"العربي الجديد": "اجتاحت الفيضانات الحي الذي كنت أعيش فيه حين كنت في مزرعتي، وعدت سريعاً إلى منزلي المحاصر بالمياه، وأنقذت أطفالي الثلاثة وقريبة لي باستخدام قارب صغير، ونقلتهم إلى منطقة جبال تُلِي. لم أشاهد مثل هذه الفيضانات طوال حياتي. سبق أن تعرّضت المدينة لموجات فيضانات لكنها لم تشهد أزمة مماثلة أجبرت جميع السكان على الفرار من منازلهم، وجرفت كل المحاصيل الزراعية".
وتشهد أسعار المواد الغذائية في مدينة بورطوبي ارتفاعاً غير مسبوق، نتيجة انهيار جسر فوق نهر جوبا الذي كان يعد شريان الحياة في المدينة، بسبب الفيضانات الجارفة التي تسببت في تصدعه.
ويربط الجسر مدينة بورطوبي بمدن أخرى في إقليمي جدو وباي، ويعد شريان نقل البضائع التجارية، لكن الحركة فيه توقفت بعد انهياره بالكامل. يقول محافظ مدينة بورطوبي، علي شريف، لـ"العربي الجديد": "لم تشهد المدينة أي حركة تجارية منذ نحو شهر، ما رفع أسعار المواد الغذائية الضرورية، وأثرّ سلباً في حياة السكان النازحين من الفيضانات. والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد آخر بتأثير تراكم المعاناة التي يواجهها النازحون".
وتقول مريمة عثمان التي نزحت إلى منطقة جبال تُلِي لـ"العربي الجديد": "لا يلائم ارتفاع الأسعار جيوبنا، ونحن لا نستطيع سدّ احتياجات أطفالنا، فجميع المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 50 في المائة، وبتنا نشتري كيلوغرام السكر بضعف السعر السابق لكيلوغرامين".
وتشتد معاناة النازحين جراء الفيضانات في معظم أقاليم الولايات الفيدرالية في الصومال، نتيجة غياب الدعم الإنساني لهم منذ بدء موسم هطول الأمطار الموسمية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ووصلت إلى مدينة بورطوبي مساعدات إنسانية مرة واحدة فقط عبر قوارب صغيرة. وتؤكد مريمة عيسى، وهي أم لطفلين، لـ"العربي الجديد": "العيش في المنطقة بات صعباً، ويحتاج الجميع إلى الحصول على مواد إغاثة، لذا نناشد المحسنين والهيئات الإنسانية تقديم يد العون".
ويقول أحمد نور لـ"العربي الجديد": "لم تحصل أسرتي على المساعدات التي وزعت في المنطقة. وعشرات الأسر التي لم تحصل على مساعدات تعيش في حال مزرية. أطالب الحكومة الصومالية والهيئات الإنسانية بتقديم مساعدات إنسانية لسد رمق أطفالي الذين يتضورون جوعاً".
وقال محافظ المدينة لـ"العربي الجديد": "يعيش الأهالي أزمة إنسانية صعبة، فالطرق المؤدية إليها مغلقة بسبب الفيضانات، ولا يمكن إيصال المساعدات إليها إلا عبر الجو أو القوارب الخشبية، وحصل المتضررون من الفيضانات على مساعدات مرة واحدة، وجرى توزيعها على الأسر الأكثر تضرراً. ما تسببه الفيضانات من خسائر اقتصادية يفوق قدرات الناس، ونخشى من تردي الأوضاع الإنسانية في المدينة إذا لم تقدم الحكومة والهيئات الإنسانية مساعدات عاجلة".
إلى ذلك ألحقت الفيضانات الجارفة التي ضربت مدينة بورطوبي أضراراً كبيرة بالمحاصيل الزراعية التي توفر نسبة 80 في المائة من إيرادات سكانها. وتؤكد الإدارة المحلية أن الفيضانات أخرجت آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية من دائرة الإنتاج، بعدما تزامنت مع وقت الحصاد.
ويقول المزارع محمود عبدي لـ"العربي الجديد": "فاجأتني الفيضانات بعد أيام من زراعتي المحصول، وجرفت كل المزروعات بعدما ارتفعت مياه فيضان نهر جوبا سنتيمترات فوق أرض المزرعة".
وسبق أن أعلنت الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث والشؤون الإنسانية أن حجم الخسائر التي سببتها مياه الفيضانات تفوق قدرات الدولة، ودعت الهيئات الإنسانية والتجار والمغتربين إلى تقديم مساعدات عاجلة للمتضررين من الفيضانات قبل أن تزداد الأوضاع المعيشية سوءاً.
ويقول المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي في الصومال، بيتروك ويلتون، إنّ "مصادر الأرزاق والحياة معرّضة للخطر، ويتوقّع أن يواجه 4.3 ملايين شخص (ربع السكان) جوعاً يصل إلى حدّ الأزمة أو أسوأ بحلول نهاية هذا العام".
يضيف: ستؤدي "الظواهر المناخية المتطرفة، من جفاف إلى فيضانات، إلى إطالة أمد أزمة الجوع في الصومال. فالجفاف أجهز على الملايين من رؤوس الماشية، ودمّر عدداً من الأفدنة لا يُحصى من المراعي والأراضي الزراعية. والآن، تشلّ هذه الفيضانات المدمّرة قدرة الصومال على التعافي".
أما المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، فينقل عن تقارير لمفوضية الشؤون الإنسانية التابعة للمنظمة الدولية أنه "يتوقع أن تجلب ظاهرة النينو مزيداً من الأمطار والفيضانات إلى الصومال خلال ديسمبر / كانون الأول المقبل، ما قد يلحق أضراراً بنحو 1.2 مليون شخص في مناطق تطل على ضفاف الأنهار".
وأعلنت الأمم المتحدة أنها تعمل مع شركائها في المجال الإنساني والحكومة الصومالية لوضع خطط للاستعداد والاستجابة لحالات الطوارئ، علماً أن صندوق الصومال الإنساني خصص 15 مليون دولار للعمل المبكر في حال حصول فيضانات.
وترى الأمم المتحدة أن التعاون مع هذه الأزمة قد يتطلب موارد إضافية. وتشير إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية للصومال للعام الحالي لم تتلقَ إلا 37 في المائة من التمويل المطلوب.