يُحذّر تربويون وباحثون اجتماعيون من خطورة إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو في الجزائر، الأمر الذي بات يؤثر بشكل واضح على تحصيلهم العلمي، كما يخشون من احتمال زيادة نسبة العنف وتقمّص الأطفال شخصيات أبطال اللعبة. واللافت زيادة عدد المراكز التي تُتيح ألعاب الفيديو للأطفال، والتي لا تخضع لرقابة كافية. ويقبل الأطفال والمراهقون بكثرة على شراء أقراص ألعاب الفيديو وتنزيل الألعاب الإلكترونية على الأجهزة اللوحية والهواتف الخلوية، ويقضون وقتاً طويلاً في اللعب إلى درجة الإدمان، بل إنهم يفضلونها على اللعب خارح المنزل والتواصل مع الأصدقاء.
وأصبحت "البلاي ستيشن" وألعاب الهاتف الخلوي جزءاً أساسياً من احتياجات الأطفال للترفيه، على الرغم من أن الكثير من الألعاب عنفية، منها لعبة "صليل الصوارم"، التي أطلقها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) و"ببجي" وغيرهما من الألعاب التي يمكن تحميلها عبر الإنترنت بسهولة وبعيداً عن رقابة أولياء الأمور.
ويُلاحظ هندي عبد القادر أن أحد أبنائه بات أكثر ميلاً إلى العنف والوحدة والعزلة، وكثيراً ما يعمد إلى تقليد أبطال بعض الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو والتظاهر بالقوة تجسيداً لما يعيشه في العالم الافتراضي، ويقول لـ"العربي الجديد": "أخذت ابني إلى معالج نفسي بعدما بات مهووساً بألعاب الفيديو، وخصوصاً تلك العنفية التي يكثر فيها سفك الدماء، حتى أن بعض أطفال الجيران باتوا يشكون منه"، يضيف أن ابنه بات يتوهّم أن له قدرات خارقة، وبات يتنمر على أصدقائه في المدرسة، ما أدى الى نفور أصدقائه منه.
ويؤكّد الكثير من أولياء الأمور الذين تحدثت إليهم "العربي الجديد" أن الإقبال على الألعاب الإلكترونية زاد خلال فترة تفشي جائحة كورونا التي فرضت على الجزائريين البقاء في بيوتهم، فوجدوا الحل في الألعاب الإلكترونية التي تُلهي الأطفال، وخصوصاً أن الكثير من الأهل اضطروا إلى العمل من المنزل، ولم يكونوا قادرين على قضاء الوقت مع أطفالهم. كما أن انتشار جرائم الخطف خلال السنوات الأخيرة في البلاد جعل الكثير من الأهل يفضلون بقاء أولادهم في المنزل وعدم اللعب في الشارع كما اعتادوا وخصوصاً في حال لم يكونوا قادرين على مواكبتهم. في هذا الإطار، تقول زكية منصوري، وهي موظفة في إدارة حكومية وطالبة في معهد العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير - المركز الجامعي لتيبازة، لـ"العربي الجديد"، إن "الحجر الصحي دفعني إلى شراء ألعاب فيديو لأبنائي حتى أشجعهم على البقاء في البيت والالتزام بالإجراءات الصحية، إلا أنهم أدمنوا على هذه الألعاب، الأمر الذي أثر على دراستهم. ولجأت إلى وسائل عدة للحد من عدد الساعات التي يقضونها أمام الشاشات، وخصوصاً أن سلوكهم بات يميل إلى العنف".
قبل فترة، أنشأت وزارة الصحة الجزائرية خلية عمل مهمتها دراسة المخاطر المرتبطة بالألعاب الإلكترونية وخصوصاً في ظل غياب الرقابة. وأخيراً، تشكو العائلات من التأثير السلبي للألعاب الإلكترونية على أطفالها، وتراجع معدلاتهم في المدارس، وعدم قدرتهم على التركيز. وتؤكّد المتخصصة في علم النفس العيادي منصور غنية أن الإدمان على الألعاب الإلكترونية قد يساهم في تدمير نفسية وشخصية الطفل، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "الشاشات والألعاب الإلكترونية تجذب الطفل من خلال الألوان والصوت والحركة، الأمر الذي يخلق لديه نوعاً من التبعية، إذ لا يتمتع بالوعي الكافي والنضوج العاطفي والمعرفي والسلوكي"، تضيف: "كلّما قضى الطفل وقتاً أمام الشاشات، كلما كان عرضة للفشل في الدراسة. كما يؤثر الأمر على تفاعله في المجتمع وهو أمر أساسي لنموه. ولوحظ أن الأطفال الذين يستخدمون الشاشات لوقت طويل هم أقل استقلالية وقدرة على التواصل داخل المجتمع".
إلى ذلك، يقول خبير تكنولوجيا المعلومات يونس قرار لـ"العربي الجديد"، إن مضامين هذه الألعاب تؤثر بشكل مباشر على التحصيل العلمي للتلاميذ، بالإضافة إلى تعزيز الأفكار العنفية لديهم. في الوقت نفسه، يحذّر من قاعات الألعاب المغلقة التي يلجأ إليها الأطفال للعب في مقابل مادي من دون أي رقابة من قبل أولياء الأمور والجهات الرسمية المسؤولة، ويطالب بالإسراع في إيجاد حلول للتصدي لهذه الظاهرة، في ظل الأخطار الكبيرة التي تحدق بالجيل الحالي، كما يدعو إلى تكثيف الرقابة في قاعات اللعب المغلقة، وإلزام أصحابها باعتماد الألعاب غير العنفية.
يشار إلى أن حجم سوق الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو بلغ 203.12 مليارات دولار أميركي عام 2020، ومن المتوقع أن يبلغ حجم هذا السوق نحو 546 مليار دولار أميركي عام 2028 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 13.2 في المائة خلال هذه الفترة، كما ذكرت منصة "فورتشين بيزنيس إنسايتس" في تقرير أصدرته في بداية عام 2022.
وبلغ عدد الذين يمارسون هذه الألعاب 2.69 مليار لاعب في جميع أنحاء العالم عام 2020، وسيرتفع هذا الرقم إلى 3.07 مليارات في عام 2023، بنسبة نمو سنوي مركب تبلغ 5.6 في المائة، كما ذكرت منصة "فاينانس أونلاين".