مع بدء تسجيل الطلّاب الناجحين في امتحانات شهادة الثانوية العامة في الجامعات، بدأت تداعيات قرار وزارة التربية الوطنية الجزائرية خفض معدّل النجاح في البكالوريا إلى 9.5 من عشرين تظهر على مستوى التخصصات الجامعية والطلّاب الجدد. واضطرت بعض الكليات إلى خفض نسب معدلات الدخول، الأمر الذي انعكس على مستوى التحصيل العلمي.
وأثارت نتائج شهادة البكالوريا التي أعلن عنها نهاية الشهر الماضي، جدلاً كبيراً في الأوساط التربوية، إذ اعتبرها البعض خطوة لإنقاذ التلاميذ من سنة كانت عصيبة بسبب تداعيات وباء كورونا، فيما ندّد البعض بها لكونها ساهمت في ضرب قيمة البكالوريا وتخريب مستقبل التلاميذ الذين هم جيل المستقبل، وتهديم المنظومة التربوية.
ولا شك في أن تخفيض معدّلات النجاح في شهادة الثانوية العامة منح الفرصة للكثير من التلاميذ بالحصول على شهادة الثانوية العامة، بعد تسهيلات الحكومة في نيلها بمعدّل منخفض جداً. في المقابل، يرى أساتذة وخبراء في القطاع التربوي أن للأمر تأثيراً على أهمية الشهادة التي ظلّت لسنوات طويلة بمثابة حلم للآلاف، تتطلب جهداً كبيراً كعتبة يجتازها الأكفأ والأقدر للوصول إلى الجامعة. وتقول عضوة الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ فيروز بن موسى إن العام الدراسي المنقضي شهد ظروفاً استثنائية، ما أدى إلى اعتماد المناوبة وتقليص الحصص الدراسية وغيرها، الأمر الذي أثر على المستوى الدراسي برمته.
تضيف بن موسى، خلال حديثها لـ "العربي الجديد"، أن الموجة الثالثة لوباء كورونا تسبّبت في "وفاة عشرات الأساتذة وأثّرت على الحالة الاجتماعية للكادر التعليمي والحالة النّفسية للمعلمين والتلاميذ على حد سواء، خصوصاً تلاميذ الثانوية العامة". وترى أن تقليص معدّل البكالوريا إلى ما دون العشرة من عشرين، هو "هُرُوب نحو الأمام إن لم يكن انحداراً في مستوى الشهادة. فالعبرة ليست بنسبة النجاح من خلال الإحصائيات وأرقام الناجحين، بل في مستوى النتائج".
وندّدت العديد من النقابات التربوية في الجزائر بهذه الخطوة التي جاءت في خضم ظروف استثنائية، معتبرة الأمر استسهالا للنجاح. ويقول الممثّل التربوي لأساتذة المجلس الوطني عبد الله ذراع، إن هذا التّقييم لا يحفز التلاميذ على الاجتهاد في التحصيل الدراسي والتنافس في ما بينهم. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "مطلب التلاميذ منذ سنتين هو خفض معدل النجاح بسبب الظروف الصحية، معرباً عن خوفه بأن "تصبِح الحالة الاستثنائية قاعدة".
ويرى العديد من الأساتذة أن تكريس الشعبوية سيؤدي إلى خفض معدّلات النجاح في البكالوريا مستقبلاً. في هذا السياق، تشدد أستاذة الرياضيات نادية خزار على أهمية الإبقاء على معدل 10 من عشرين للنّجاح، موضحة أنّ "نيل ورقة العبور إلى الجامعة بهذا القرار الاستثنائي هو خطوة نحو خفض مستوى التحصيل الجامعي". وتقول إن ارتفاع أعداد النّاجحين على حساب الأماكن المتوفرة في مختلف الكليات والمدارس العليا يجعل مهمّة الأساتذة صعبة مقارنة بالكمّ الهائل للوافدين الجدد إلى الجامعات.
من جهته، يرى أستاذ الأدب العربي حمزة خضراوي أن القرار جاء مراعاة للظروف الاستثنائية التي شهدها العام الدراسي، إذ لم تكن الظروف سهلة مع الموجة الثانية للوباء. وتأخر العام الدراسي حتى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، الأمر الذي أدى إلى تقليص العام الدراسي. ويقول لـ "العربي الجديد": "لا يجب أن يتحوّل هذا المعدّل إلى مطلب شرعي للتلاميذ احتجاجاً على الظروف المحيطة بالدراسة، ويؤثّر على مستوى وقيمة البكالوريا في الجزائر"، معرباً عن تخوفه من تأثيرها على الشهادة. ويقول إن ذلك "يشجّع بعض التلاميذ خلال السنوات المقبلة على التهاون ما دامت السلطات تأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة بالامتحان المصيري، وبالتالي بإمكانهم الحصول على شهادة البكالوريا بمعدل أقل من عشرة على عشرين".
ويرى آخرون أن خفض معدل البكالوريا سيخلق مشكلة أخرى في الجامعة، تتمثل في انعدام الفروقات بين الطلاب، الأمر الذي سيؤثر على مؤهلاتهم العلمية ومستقبلهم المهني، إذ إن وجود طالب نجح بمعدل 9.5 من عشرين لن يخلق له أي حافز للعمل وتحسين مستواه. وغالباً ما يوجه الطلاب الناجحون بالإنقاذ في البكالوريا إلى العلوم الإنسانية، والتي تعاني بالأساس من فائض كبير في سوق العمل، ومن بينها الصحافة والحقوق والعلوم الاجتماعية وغيرها. في المقابل، يشكو سوق العمل نقصاً في العديد من التخصصات التقنية والفنية، الأمر الذي يتطلب إعداد خطة بديلة لخلق التوازن، على الرغم من الظروف الصحية الطارئة وغيرها.