تريد وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، من أجل تقليل عقبات الحصول على الجنسية، إجراء تعديلات قانونية لتسريع منحها وإزالة عقبات من طريقها. وهي تعتبر أن هذه الإصلاحات طال انتظارها، وتصفها بأنها "فرصة عظيمة لتقوية التماسك الاجتماعي"، وهو ما أيّده المستشار أولاف شولتز في مؤتمر استضافته برلين مؤخراً بعنوان: "ألمانيا بلد الهجرة، حوار للمشاركة والاحترام"، مشدداً على أن حكومته تريد تعزيز فرص حصول الأجانب على الجنسية من خلال تسهيل وتبسيط الشروط المطلوبة.
وتتضمن مسودة اقتراحات وزارة الداخلية إزالة عقبات تواجه من يتقدمون لنيل الجنسية، وأهمها تقليل المواعيد النهائية لمدة عيش الفرد في ألمانيا قبل الحصول على الجنسية، والسماح بازدواجية حمل الشخص المتقدم جنسيتين، ما يعني أنه لم يعد يجب أن يتخلى شخص عن جنسيته في بلد آخر من أجل الحصول على الجنسية الألمانية.
كذلك تخفض الاقتراحات الحد الأدنى لمدة الإقامة إلى خمس سنوات بدلاً من ثماني سنوات للأفراد العاديين الذين لا يتمتعون بكفاءات علمية. وفي حال حقق هؤلاء الأفراد إنجازات مدرسية أو مهنية أو عملا تطوعيا متقدما يمكن تقليل الفترة إلى ثلاث سنوات.
كذلك، ستطاول اقتراحات التعديل إعطاء أطفال الأشخاص الذين يحملون جوازات سفر أجنبية الجنسية من دون أي تحفظ إذا أقام أحد الوالدين في البلاد مدة تتجاوز خمس سنوات بدلاً من ثماني سنوات، كما ستطالب الاقتراحات السلطات بتوضيح أسباب استبعاد أي فرد من التجنيس.
وعن أهمية التعديلات المقترحة في قانون الجنسية، قالت الخبيرة في مجال الهجرة بيترا بندل لشبكة "إي آر دي" الإخبارية، إن "السماح بحمل أشخاص مقيمين أكثر من جنسية سيشجع المزيد على تقديم طلبات للحصول على الجنسية الألمانية، لا سيما أن هذا الأمر يشكل عقبة رئيسية لدى كثيرين. علماً أنه من حيث المبدأ، يتعين على معظم الأشخاص من دول أخرى غير الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وسويسرا حالياً التخلي عن جنسياتهم السابقة لدى حصولهم على الجنسية الألمانية، رغم وجود بعض الإعفاءات.
أما رئيسة مجلس الخبراء لتقييم التنمية الاقتصادية الشاملة مونيكا شنيتزر فأيدت الإصلاحات الحكومية المطروحة. وأوضحت في مقابلة مع مجموعة "فونكه" الإعلامية أن "التجنيس يعزز اندماج الأجانب الذين يعيشون ويعملون في ألمانيا. وفي ضوء التغيير الديمغرافي والنقص المتزايد في عدد العمال والموظفين الماهرين، فالتجنيس موضع ترحيب بالتأكيد، وقد يساهم في تحفيز قدوم الكفاءات إلى البلاد".
تأييد ومعارضة
وقد شجعت رابطة الشركات الصغيرة والمتوسطة الاقتراحات التي ستعرض على مجلس الوزراء، وبعدها البرلمان (البوندستاغ). وأصرّ المدير الإداري ماركوس جيرغر، في حديثه لشبكة التحرير الألمانية (RND)، على أن الحد من العقبات البيروقراطية في منح الجنسية لأصحاب المهن في بعض القطاعات، مثل البرمجيات والتمريض، قد يكون ميزة واقعية مهمة لألمانيا".
في المقابل، تواجه وزيرة الداخلية فيزر، التي تنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، معارضة الحزب الليبرالي الحر، أصغر شركاء الائتلاف الحاكم، والذي قال أمينه العام بيجان دجير سراي لصحيفة "رايشنه بوست" إن "الوقت الآن غير مناسب لتبسيط قواعد المواطنة، علماً أنه لم يتحقق أي تقدم على الإطلاق في إعادة وافدين لا يستحقون اللجوء، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وبالتالي لا يجب أن تتخذ خطوات جديدة قبل تحديد ما آلت إليه الأمور بالنسبة إلى النقاط الأولى. وبالنسبة إلى الليبرالي الحر لن يكون هناك أي تخفيض لشروط الجنسية الألمانية".
أما زميله في الحزب الليبرالي الحر وزعيم كتلته في البرلمان كريستيان دور فاعتبر في حديثه لمجموعة "فونكه" الإعلامية أيضاً، أن "المانيا يجب أن تصبح دولة هجرة حديثة، عبر توجيه الهجرة إلى سوق العمل، وليس إلى أنظمة الضمان الاجتماعي. ويجب أن يستند قانون المواطنة إلى هذه المعايير تحديداً في المستقبل. وأي شخص يعمل بجدية ويندمج جيداً في المجتمع الألماني يجب أن تتاح له فرصة أن يصبح ألمانياً، أما الأشخاص الذين لا يريدون الاندماج فيجب أن يغادروا البلاد".
مواقف متباينة
وبدا أن مسؤولي حزب الخضر لم يهضموا مواقف نظرائهم في الحزب الليبرالي الحر، إذ رفضت فيليز بولات اعتراض سياسيي الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم على الاقتراحات، وأكدت، بحسب ما ذكرت شبكة "إي أر دي" الاخبارية، أن "الليبراليين تفاوضوا معنا على هذه الحزمة في اجتماعات تشكيل الائتلاف الحاكم، ولا يمكن خلق رابط بين موضوعي الهجرة والترحيل كما يفعل الليبرالي الحر حالياً".
ورغم أن الأطراف الثلاثة اتفقوا على ضرورة تسريع ترحيل الأشخاص الذين يعيشون في شكل غير قانوني في ألمانيا، لكن الأحكام المتعلقة بالترحيل تظهر فقط في وقت لاحق، لذا فهي ليست جزءاً من الفصل الخاص بالهجرة. وذكرت فيليز بأن "الليبرالي الحر أدخل خلال مفاوضات تشكيل الائتلاف إلى الاتفاق إمكان الحصول على الجنسية خلال 5 أو 3 سنوات".
من جهة أخرى، ردت فيليز على اعتراض الحزب المسيحي الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة في "البوندستاغ"، على مسودة إصلاح قانون الجنسية وزعمه أنها تحفز على الهجرة غير الشرعية، وقالت: "المطلوب من سياسيي الاتحاد المسيحي أن يصلوا إلى القرن الحادي والعشرين"، فيما قالت زميلتها في الحزب ومفوضة الاندماج في الحكومة ريم العبالي رادوفان لمجموعة "فونكه" الإعلامية إن "ألمانيا تريد أن تصبح بلد هجرة حديثة، ما يتطلب التجنيس بشكل أسرع وأفضل".
تجدر الإشارة إلى أن 10.7 ملايين شخص يحملون جنسية أجنبية يعيشون في ألمانيا، بينهم 5.7 ملايين يعيشون في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات على الأقل. وكانت نسبة التجنيس منخفضة لفترات طويلة ولم تتجاوز 2.45 في المائة لأولئك الذين يعيشون في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات في عام 2021. ومقارنة بدول أوروبية أخرى تأتي ألمانيا في المرتبة الثالثة.