الجوع ينافس القصف على قتل الأبرياء في مخيمات وسط غزة

05 ديسمبر 2023
أحد عائلات الشهداء في دير البلح (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
+ الخط -

يضيق الاحتلال الإسرائيلي الحصار على منطقة وسط قطاع غزة من الجهتين الشمالية والجنوبية بعدما فصل القطاع إلى ثلاثة أقسام، الأول هو الشمالي الذي يضم مدينة غزة ومحافظة الشمال، والقسم الجنوبي الذي يضم مدينة رفح وجزءاً من مدينة خانيونس، والقسم الثالث هو وسط القطاع الذي دخل مرحلة التجويع عبر قطع الإمدادات بالتزامن مع القصف المتواصل.
كان وسط القطاع ضمن المنطقة شبه الآمنة على مدار الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي، لكن الاحتلال باغت سكانه، بمن فيهم النازحون من الشمال، وسكان المخيمات الأربعة (النصيرات، البريج، المغازي، ودير البلح)، بحصار يستهدف التجويع والإبادة.
نزح أحمد حمدونة (31 سنة)، من حي الشيخ رضوان بمدينة غزة في 24 أكتوبر/ تشرين الأول، إلى مخيم النصيرات في وسط القطاع، ثم قصف الاحتلال المبنى الذي نزح إليه مع أفراد أسرته، وأصيب عدد منهم، فنزحوا إلى مخيم دير البلح، ليعيشوا داخل منزل لأحد أصدقاء والده، لكنهم في الوقت الحالي يبحثون عن أي مصدر للطعام والشراب.
لم يتمكن حمدونة من إيجاد أي مواد غذائية خلال اليومين الأخيرين، حتى أن ملح الطعام غير متوفر، وطهت والدته طعاماً من دون الملح، كما عجزوا عن إعداد الطعام يوم الاثنين، لأنهم لا يملكون ما يطبخونه. يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "نشعر بالجوع لعدم توفر الطعام، وبالعطش لأن المياه المتوفرة شديدة الملوحة. عدد كبير من سكان مخيمات وسط القطاع يدورون في الأسواق للبحث عن طعام، خصوصاً في سوق مدينة دير البلح وسوق المخيم. جيش الاحتلال يحاصر المنطقة من كل الاتجاهات، وقبل يومين، كان يرافقنا شاب في البحث، وعندما عاد وجد عدداً من أفراد عائلته قد استشهدوا في القصف، فكان يبكي قائلاً: ماتوا جوعانين".

تضم منطقة وسط قطاع غزة 4 مخيمات وعدداً من القرى والبلدات الصغيرة

وتتعرض منطقة وسط قطاع غزة التي تضم 4 مخيمات للاجئين الفلسطينيين وعدداً من القرى والبلدات الصغيرة لحصار خانق يؤدي إلى ندرة الطعام والشراب، كما انقطع التواصل مع القسم الجنوبي من القطاع، والذي تصله بعض المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح البري.
في شهر العدوان الأول، نزح إلى مخيمات وسط القطاع مئات آلاف الأشخاص ظناً منهم أنها ستكون آمنة، كما زعمت مناشير جيش الاحتلال، وحالياً يوجد العدد الأكبر من النازحين في مخيم النصيرات، وهو ثالث أكبر مخيم في قطاع غزة بعد مخيم جباليا في الشمال ومخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة. وينقسم مخيم النصيرات إلى عدة مناطق. وحسب بيانات وكالة "أونروا"، يعيش فيه أكثر من 85.409 لاجئين مسجلين، وتوجد فيه 17 مدرسة تابعة للوكالة، وجميعها مكتظة بالنازحين.
من مخيم النصيرات، يناشد النازح أحمد الحاج منذ ثلاثة أيام أي شخص أن يمنحه كيس دقيق لتوفير الخبز لنحو 30 فرداً في منزله. يقول الحاج لـ"العربي الجديد": "منازل المخيم ملتصقة، ونسمع بكاء الأطفال من الجوع كل يوم، وعندما يأتي المساء لا أحد يخرج إلى الشارع. ليلة أمس كان أحد الجيران ينادي إن كان لدى أحد أي طعام أو خبز جاف، لأن الأطفال جوعى ولا يوجد لديه أي شيء".

أطفال مخيم النصيرات وسط الأنقاض (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
أطفال مخيم النصيرات وسط الأنقاض (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

ويعيش في مخيم البريج المحاذي لمنطقة النصيرات من الجهة الشرقية 46.629 لاجئاً مسجلاً، وبداخله 9 مدارس تتبع لوكالة "أونروا"، وكلها مكتظة بالنازحين، بينما يعيش في مخيم المغازي الذي يحاذي مخيم البريج 33.255 لاجئاً مسجلاً، وبداخله 5 مدارس مكتظة هي الأخرى بالنازحين.
أما مخيم دير البلح الموجود غربي مدينة دير البلح، فيعيش بداخله 26.674 لاجئاً مسجلاً، وهو أصغر مخيمات قطاع غزة، وفيه 9 مدارس تضم آلاف النازحين، لكن المخيم يطل على البحر، وبدلاً من أن يكون البحر متنفساً لهم، فإن خطر القصف يحرمهم من ذلك.
من دير البلح، ناشدت آمنة أبو رمضان (30 سنة)، الصليب الأحمر الدولي الوصول إلى المناطق التي تم استهدافها لانتشال عشرات المدنيين من تحت الأنقاض، فأجابها الصليب الأحمر بأنها منطقة حمراء ويصعب الوصول إليها من قبل الطواقم لأن الاحتلال يركز عملياته فيها.
تقول أبو رمضان لـ"العربي الجديد": "نحن محاصرون من كل الجهات، وقضينا آخر يومين نبحث عن الطعام، ولا يستطيع كثيرون الحراك. توجه أقارب والدتي إلى شارع صلاح الدين للنزوح إلى الجنوب، وانقطع تواصلنا معهم، ونخشى أنه تم استهدافهم أو اعتقالهم، ولا نعرف إن كنا سنموت من القصف أو من الجوع".
ويعيش سكان مخيمي البريج والمغازي ظروفاً مأساوية، فالمخيمان يقعان على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وهم يمتنعون عن الاقتراب من تلك الحدود بسبب تكرار حالات القنص وإطلاق النار العشوائي، ما يجعلهم محاصرين في مساحة ضيقة.

يقول أحمد جودة (33 سنة)، من مخيم المغازي: "نعاني من الجوع منذ انتهاء الهدنة المؤقتة، وقد وصلت بعض المساعدات المحدودة إلى مدارس أونروا، وكان الناس يهاجمون شاحنات الوكالة للحصول على أي شيء، والعدد الأكبر منهم لم يستلم أي مساعدات، وحتى نهار الثلاثاء، لم نستطع تأمين أي طعام حقيقي، بينما مبنى عائلتي المكون من ثلاثة طوابق يبلغ عدد الموجودين فيه أكثر من 17 فرداً".
يضيف جودة، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "ناشدت الجيران لتوفير كيس طحين واحد، لكني لم أجد لدى أحد، ثم ناشدتهم توفير أي طعام، حتى أنني مشيت إلى سوق المخيم، ثم إلى سوق مخيم البريج لشراء أي طعام، لكني لم أجد شيئاً، وبحثت في بعض المحال عن بسكويت، فوجدت عند أحد المتاجر الصغيرة بسكويتاً مخصصاً للرجيم، فأحضرته حتى يأكل من في المنزل. نحن جوعى، ونعيش في حالة رعب، ولا نعرف مصيرنا في ظل المجازر الدائرة، وقد استشهد عدد من أفراد عائلتي، وبعضهم نزحوا إلى مخيم دير البلح، والبقية لا نعلم عنهم شيئاً. الكثير من سكان المخيمات سيموتون من الجوع إذا استمر الحصار خلال الأيام القليلة القادمة".
ووفق تحديثات بيانات وكالة "أونروا"، سجل ما يقرب من 1.2 مليون نازح يحتمون في 156 منشأة تابعة لـ"الأونروا" في محافظات قطاع غزة الخمس، بما في ذلك منطقة الشمال ومدينة غزة، وكان ما يقرب من مليون نازح يقيمون في 99 منشأة في مناطق الوسط والجنوب، بما فيها مدينتا خانيونس ورفح، والتي باتت تحت خطر القصف والحصار.

وتشير تقديرات "أونروا" إلى أن أعداد النازحين الذين قتلوا داخل مراكز الإيواء التابعة لها في قطاع غزة، وصل إلى 218 نازحاً، في حين أصيب 901 آخر منذ بداية العدوان الإسرائيلي، فضلاً عن مقتل 111 عاملاً في الوكالة، كما تمكنت أونروا من التحقق من وقوع 117 حادثة تعرضت لها 85 من منشآتها منذ بداية العدوان.

المساهمون