تحوّل الرداء التقليدي، الحايك (رداء من القماش الأبيض تلتحف به المرأة لتستر جسدها وقد انتشر في دول المغرب العربي) إلى أحد رموز المقاومة الجزائرية ضدّ الاستعمار الفرنسي. وشاركت المرأة الجزائرية في ثورة التحرير (نوفمبر/ تشرين الثاني 1954)، ولم تتأخّر في تقديم الدعم للثوار ومساعدتهم وكانت مثالاً للشجاعة والتضحية، حتى نالت البلاد الاستقلال في الخامس من يوليو/ تموز 1962، والذي تصادف ذكراه اليوم. وكان الحايك عاملاً مساعداً على التحرك بحرية وأمان.
والحايك الذي يمثل جزءاً من هوية المرأة الجزائرية وأصالتها، مثل إحدى وسائل التمويه الأساسية للنساء والرجال للقيام بعمليات فدائية داخل المدن، ليصنّف كأحد عناصر المقاومة الشعبية الرئيسية في بداية ثورة التحرير. وباتت لهذا الرداء رمزية تاريخية وخصوصاً بعد عام على انطلاق الكفاح المسلّح ضدّ المستعمر. في هذا السياق، يقول أستاذ التاريخ والباحث المتخصص في ثورة التحرير عبد اللطيف رزقي لـ"العربي الجديد": "منذ عام 1955، بدأت القيادات الثورية في المدن التفكير بشكل جدّي في إشراك المرأة بنقل الأسلحة والذخيرة وإخفاء الرسائل السرية على اعتبار أن جنود المستعمر الفرنسي لا يقتربون من النساء ولا يعمدون إلى تفتيشهن. بذلك، تغيّرت النظرة إلى الحايك ليصبح وسيلة من وسائل الكفاح والعباءة التي يتخفّى تحتها الثوار لتسهيل تحركاتهم تحت لواء جيش التحرير الوطني، وبات هذا الرداء الأبيض جزءاً من ثورة التحرير وأداة يستخدمها الثوار في عملياتهم وسط الجزائر والمدن التي استوطنها المستعمرون. وكان يجري تجنيد النساء لإخفاء وإيصال الرسائل والوثائق السرية والأموال والسلاح تحت الحايك من مكان إلى آخر".
هكذا، بات الحايك جزءاً من تاريخ الجزائر لارتباطه ببطولات النساء والثورة ضد الاستعمار، وخصوصاً خلال فترة حرب العصابات داخل المدن. وكانت بعض النساء الثوريات يرافقن الفدائيين المكلفين بتنفيذ عمليات فدائية من خلال تخبئة الأسلحة تحت الحايك والسير أمام الفدائي. وعند الوصول إلى مسافة قريبة من الهدف، يقترب الفدائي من المرأة ويأخذ منها المسدس لتنفيذ العملية ثم يعيده إليها بسرعة، ليتمكن من الهرب من دون أن تتمكن القوات الفرنسية من إلقاء القبض عليه.
ولم يكن ارتداء الحايك حكراً على النساء فقط. ففي بعض الأحيان، كان الثوار يضطرون إلى ارتدائه للتمويه والتنقل بحرية بين المدن وداخلها بعيداً عن عيون الجنود الفرنسيين، وخصوصاً في العاصمة الجزائر، وحي القصبة العتيق الذي كان يحتضن قيادة الثورة، وخلال ما يعرف بمعركة الجزائر بين قوات الاحتلال الفرنسي وقيادة المنطقة المستقلة للثورة في العاصمة، والتي كان يقودها المناضل ياسف سعدي. واضطر هذا الأخير مع عدد من المناضلين إلى ارتداء الحايك للتنقل داخل حي القصبة العتيق، لكنّ أحد المناضلين لم يحسن إخفاء حذائه الرجالي. وصادف مرورهم مع مرور دورية عسكرية فرنسية، فانتبه أحد الجنود إلى الحذاء الرجالي لأحد الثوريين الذين كانوا يرتدون الحايك، ليأمر الجنود الثوريين بالتوقف ورفع الأيدي، لكنّهم سارعوا إلى إخراج الأسلحة وإطلاق النار على الجنود الفرنسيين ونجحوا في الفرار عبر الأزقة الضيقة. ويصوّر فيلم "معركة الجزائر" الذي أخرجه الإيطالي جيلو بونتيكورفو هذا المشهد بالتفصيل، قد وأظهر كيفية استغلال بعض الثوار هذا الرداء الأبيض لتمويه المستعمر والتنقل من دون أن يكتشف أمرهم. إلا أن الوشاية بهم دفعت قوات المستعمر إلى إجبار النساء على نزع الحايك لدى المرور أمام الحواجز الأمنية أو تمرير آلة تكشف إذا ما كانوا يحملون أسلحة أو ذخيرة. وبعدما صارت المرأة التي ترتدي الحايك الأبيض محلّ شبهة وشكّ وريبة وجبت الحيطة والحذر، وعمدت الفدائيات إلى تنفيذ عمليات خطيرة من قبيل وضع قنابل في المقاهي التي يتردد عليها المستعمرون من دون ارتداء الحايك.
ما حدث لم يثبط من عزيمة المقاومات الجزائريات. تخلّت بعض النساء عن الحايك حتى يتمكنّ من التنقل بسهولة أكثر وتنفيذ العمليات الفدائية بنجاح والصمود في وجه المستعمر وتحقيق الاستقلال.
من جهته، يقول الأستاذ في جامعة صالح بوبنيدر قسنطينة، سليم بوشنافة لـ "العربي الجديد" إنّ خطوة تنازل بعض الجزائريات عن الحايك كانت جزءاً من تضحية قدمتها المرأة في سبيل الاستقلال وإنجاح العمل الثوري. يضيف أنّ "هذا التنازل كان يرمي إلى تنفيذ العديد من العمليات الفدائية بعيداً عن شكوك المحتل بهدف الانعتاق من نير المستعمر" مشيراً إلى أنّ "المرأة اختارت التمويه من خلال الحايك أو من دونه لتحرير البلاد. ولم يكن ذلك الرداء الأبيض مجرّد مكوّن أساسي في تكوين الشخصية الجزائرية، بل وسيلة لتحريك الثورة وتحقيق النصر".