الحب والمعاناة يجمعان الفلسطينيين في إسطنبول

21 نوفمبر 2022
يجتمع الفلسطينيون في إسطنبول للتواصل (ياسين أغكول/ فرانس برس)
+ الخط -

خلق الانقسام الفلسطيني عام 2007 والاحتلال الإسرائيلي شرخاً في المجتمع، خصوصاً لدى الغزيين الذين يمنعهم الاحتلال الإسرائيلي منذ 16 عاماً من زيارة الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، في حين كان ذلك متاحاً بسهولة قبل الانتفاضة الثانية عام 2000.

بعدها جرى تقييد التنقل وصولاً إلى اعتبار غزة كياناً معادياً عام 2007، وحرم السكان من الدخول إلا في حالات نادرة، تخضع لتعقيدات كبيرة للحصول على تصاريح، أهمها على الصعيد الأمني، حتى للمرضى ذوي الحالات الخطرة.
وفيما استطاع بعض الغزيين السفر إلى تركيا، زادت فرص لقائهم مسافرين آخرين من فلسطينيي الداخل الذين قدموا إلى تركيا، وحتى آخرين جاؤوا من بلدان الشتات في سورية ولبنان والأردن، وحتى من أوروبا والأميركيتين. ولاحظ هؤلاء الغزيون وجود اختلافات بينهم وبين القادمين الآخرين على صعيد الثقافة والمنظور الوطني، وكذلك الآراء المعارضة، لكن كل لقاءاتهم اتسمت بالحب.
تبادل الغزي إسماعيل الخطيب (32 سنة) الحديث لمدة 5 ساعات مع صدام جبر (35 سنة)، وهو من مدينة نابلس، في أول لقاء جمع بينهما. وكان الخطيب قد نجا بأعجوبة من العدوان الإسرائيلي عام 2014، حين دمر القصف مباني حي النصر غربي غزة من دون سابق إنذار. أما جبر فأوقفه الجيش الإسرائيلي مرات لمحاولة الحصول على معلومات، وأحدها بعد تنظيم تظاهرات ضد الجيش في جامعة النجاح بنابلس.
وجاء جبر إلى تركيا للسياحة لمدة شهر، وهو يعمل في تجارة السيارات، أما الخطيب فيبحث منذ فترة عن فرصة للعمل وكسب الرزق. 
ويقول جبر لـ"العربي الجديد: "شتتنا الانقسام الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، وبات الفلسطيني في الطرف الذي يوجد فيه يرى أن معاناته أكثر صعوبة من تلك لأبناء بلده في الشق الوطني الآخر. أما ما شاهدته عموماً في إسطنبول فهو فقدان غزيين كثيرين الأمل". 
بدوره يقول الخطيب لـ"العربي الجديد": "يعتقد الغزيون بأن سكان الضفة الغربية يعيشون في حال أفضل اقتصادياً منهم، في حين لا يتحمل الغزيون العيش وسط حواجز إسرائيلية، كما لا يتقبلون وجود أهل الداخل الفلسطيني وسط مجتمع إسرائيلي، وتعرضهم لعنصرية في شكل مستمر. والأهم أننا نجتمع في إسطنبول على الحب المتبادل، ونتشارك قضايا المعاناة المتنوعة، والاختلافات الاقتصادية بسبب الاحتلال الإسرائيلي".

فلسطينيون أمام مسجد في أنقرة (آديم ألتان/ فرانس برس)
فلسطينيون أمام مسجد في تركيا (آديم ألتان/ فرانس برس)

وتستقبل إسطنبول فلسطينيين كثيرين من الداخل يستخدمون جوازات سفر إسرائيلية، ويتعمد عدد كبير منهم قصد مطاعم عربية. وأحياناً قد تزداد المشاحنات اللفظية بينهم وبين زوار من سكان قطاع غزة، أما لقاءاتهم مع سكان الضفة الغربية فأكثر سهولة وسلاسة على صعيد المواضيع المتبادلة.
ويقول شعيب المدهون (28 سنة)، وهو غزي يعمل في مطعم عربي بمنطقة كادي كوي بالجانب الآسيوي لمدينة إسطنبول، لـ"العربي الجديد": "يعارض كثيرون من فلسطينيي الضفة الغربية والداخل تنفيذنا فكرة الهجرة السرية، لكنهم يذهلون كثيراً أيضاً من الأحاديث المتداولة عن عيشنا تحت الموت والقصف الإسرائيلي. وقد يظهر بعضهم انفتاحاً أكبر على أحوالنا، خصوصاً أنهم يعلمون أننا تحت الحصار الإسرائيلي، ولا نستطيع الخروج بسهولة من غزة، فيبررون تنفيذنا الهجرة السرية".
لكن المدهون يشعر عموماً بسعادة عندما يلتقي فلسطينيين من الضفة الغربية أو الداخل، أو حتى من سورية ولبنان والأردن، ويتداول الأسئلة معهم، ويسألهم من أي قرى أو بلدات محتلة أنتم؟ وأين تقع هذه الأماكن؟ ماذا كنتم تزرعون في أرضكم؟ ما أسماء مدارسها؟ وهو يشعر أن هذا الحوار هو ما يبقى من ذاكرة العودة والتمسك بالأصول.
يعبّر نادر أبو تمام (37 سنة) عن سعادته الكبيرة حين يلتقي غزيين أصدقاء، فهو يقيم في مدينة العفولة في الشمال الفلسطيني المحتل، ويعمل في تصميم مواقع المعلوماتية. وهو سبق أن عمل مع غزيين عن طريق التواصل عن بعد، كما تعرف إلى مجموعة أصدقاء وغزيين آخرين في إسطنبول.

ويقول لـ"العربي الجديد" إنه "وجد غزيين في غالبية المناطق التي زارها في إسطنبول"، ويضيف: "تختلف أهداف القدوم إلى تركيا بين فلسطينيي الداخل والضفة الغربية والغزيين. نحن نأتي لقضاء فترة سياحة، أو إجراء اجتماع عمل، أو تنفيذ أعمال سريعة، أما سكان غزة فغالبيتهم يأتون للعمل والاستقرار بشكل مؤقت هنا أو للهجرة. وأنا سعدت لرؤية الجانب المضيء في طاقة الغزيين وعطائهم، فيما أحزنتني حقيقة أن كثيرين منهم يريدون الاستقرار في أي مكان".
ويشكل فلسطينيو الداخل مليوناً و995 ألفاً من سكان الأراضي المحتلة الفلسطينية عام 1948. في المقابل يقدر مركز الإحصاء المركزي الفلسطيني عدد سكان الضفة الغربية بحوالي 3.19 ملايين، وعدد الفلسطينيين في دول الشتات والدول العربية بـ 6.4 ملايين. لكن هؤلاء الفلسطينيين لا يستطيعون زيارة قطاع غزة بسهولة وسط تشديد الحصار الإسرائيلي والجانب المصري في فتح المعبر الحدودي مع غزة، وإغلاقه من دون تنفيذ اتفاق ينظم عمله في ظل الانقسام الفلسطيني.

المساهمون