عانت المناطق الشرقية في سورية، طوال عقود من حكم حزب البعث، من التهميش والإهمال في كل مجالات الحياة، خصوصاً الاقتصادية، وصنّفها النظام بأنها "مناطق نائية ونامية رغم أنها تحتوي على غالبية الموارد النفطية والزراعية للبلاد".
وفعلياً تعمّد النظام استغلال هذه الموارد، خصوصاً الزراعية، من دون أن ينفذ أي مشروع اقتصادي ينعكس إيجاباً على واقع المنطقة وسكانها. بعد الثورة السورية عام 2011 تنفست المنطقة بعض الحرية، واتجهت إلى تأمين الكثير من المستلزمات محلياً، من خلال إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة أمّنت فرص عمل لشبان كثيرين، ووفرت مواد كان يجري استيرادها.
وبين هذه المشاريع معمل إعادة تدوير الكرتون وصناعة الكرتون والورق في محافظة الحسكة الذي افتتح قبل نحو شهر لتلبية احتياجات المنطقة، وتجنّب الاستيراد، والمساهمة في توفير بيئة نظيفة عبر جمع مخلفات الكرتون، وكذلك في نشر الوعي البيئي، والحفاظ على النظافة العامة.
يقول سربست كاظم، مدير معمل "جيا" لتدوير نفايات الكرتون وصنعه، لـ"العربي الجديد": "يتضمن المعمل ثلاثة أقسام رئيسية، أولها لصنع الورق المقوى، والثاني لدمج الكرتون، والثالث للتصميم والقياسات. والهدف الأساس من فتح المعمل هو تأمين فرص عمل للأهالي، ودعم تنظيف المنطقة من نفايات الكرتون، وتعزيز اقتصاد المنطقة، علماً أنه مجهّز بأحدث الآلات".
وعن فرص العمل التي يوفرها المعمل وعدد الموظفين والعاملين فيه، يوضح كاظم أن "المعمل يشغّل أكثر من 250 عاملاً يتوزعون على ثلاث ورديات، كل منها لمدة 8 ساعات. وتجمع عائلات كثيرة نفايات الكرتون من شوارع المدينة، ثم تبيعها للمعمل بأسعار مناسبة".
ويشير إلى أن المعمل يحاول توفير كل احتياجات التجار والمصانع من مادة الكرتون بأسعار مناسبة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي للمنطقة ووقف استيراد المادة من مناطق أخرى. وهو يؤمن مادة الكرتون بأحجام وقياسات مختلفة.
وتقول العاملة الفنية عائشة حسن التي تسكن في ريف الحسكة لـ"العربي الجديد": "لدي ثمانية أولاد بينهم اثنان معوّقان، وزوجي موظف حكومي لا يتجاوز راتبه 140 ألف ليرة سورية (16.5 دولاراً)، ما يعني أنه لا يستطيع تلبية احتياجات العائلة".
فعلياً، تغيّرت أشياء كثيرة منذ أن افتتح معمل الكرتون، إذ كانت له فوائد كثيرة لعامة الناس، فغالبية الفقراء أصبحوا يجمعون نفايات الكرتون ويبيعونها، ما يجعلهم يستفيدون من ثمنه من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية. وانعكس ذلك أيضاً على تعامل الناس مع البيئة المحيطة بهم، والتي أدركوا أنها تحتوي على كل شيء، وأن كل مادة فيها ذات قيمة إذا فُرزت وصُنّفت تمهيداً لإعادة تدويرها. وحالياً يتجه كثير من الناس نحو إعادة تدوير المواد الباقية، ويمكن مشاهدة أشخاص يجمعون بقايا مواد حديدية وأخرى صلبة، أو مواد بلاستيكية وزجاجية، ما ينعكس إيجاباً على البيئة المحيطة، ويساعد في الحدّ من التلوّث.
بدوره، يبدي العامل عادل إبراهيم البالغ 35 من العمر والمتحدر من مدينة الحسكة، في حديثه لـ"العربي الجديد" سعادته من افتتاح أول معمل من هذا النوع في شمال شرقي سورية، ويقول: "أمّن المعمل فرص عمل ومداخيل ثابتة لعشرات العائلات، علماً أنني بقيت سابقاً خمسة أشهر بلا عمل لدرجة أن شرائي حتى ربطة خبز كان أمراً صعباً عليّ، أما اليوم فتحسنت أموري وأحوالي المعيشية، والأهم أن يستمر الأمن والاستقرار كي تشيّد معامل أكثر، تمهيداً للقضاء على البطالة، وتحسين الاقتصاد وتطويره في المنطقة.
وتقول خديجة خلف المتحدرة من القامشلي لـ"العربي الجديد": "وفر المعمل فرص عمل لأفراد عائلتي. ورغم أننا نسكن في القامشلي استخدمت مع إخوتي سيارة شحن والدي وسيلة لجمع بقايا الكرتون من الأسواق والمحلات، وترتيبها في حزم وربطها تمهيداً لنقلها إلى المعمل في الحسكة، وبيعها بأسعار مقبولة. ونجمع يومياً بقايا الكرتون بالتزامن مع إغلاق أصحاب المحلات خلال فترتي الظهر والليل، وتركها مخلفات كرتون منفصلة عن بقية القمامة أو المخلفات. ونلاحظ انتشار الوعي حالياً بفرز القمامة بين بلاستيكية وورقية وزجاجية وبقايا طعام، وتولي مجموعات وورش جمع البقايا المعدنية للغرض نفسه، وهذه ظاهرة جيدة تساهم في تنظيف الشوارع والأرصفة والمدن، علماً أننا كنا نشهد في السابق تكدّس القمامة لأيام قبل أن تجمعها آليات تابعة للبلدية، وتنقلها الى المكبات. وفعلياً وفر هذا المعمل فرصة عمل للجميع، والأكيد أن تأسيس المنشآت الصناعية أو الزراعية ينعكس إيجاباً على الجميع، ويحدّ من البطالة".
من جهته، يقول المسؤول في مديرية معامل الإنتاج بمناطق الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية لشمال سورية وشرقها، شيار محمد الإداري، لـ"العربي الجديد": "جرى دعم القطاع الصناعي في المنطقة خلال السنوات العشر الأخيرة، ومن أجل توفير فرص عمل للناس والمساهمة في تحسين أوضاعهم المعيشية أنشأنا معمل جيا لصنع وإعادة تدوير الكرتون بطاقة إنتاج 25 طناً يومياً إلى جانب صنع 75 طناً من الكرتون. ويهدف المشروع أيضاً إلى تنظيف البيئة من الأوساخ ونفايات الكرتون.