الحطب وسيلة الفقراء للتدفئة في تونس

17 مارس 2023
وسائل التدفئة شبه معدومة (العربي الجديد)
+ الخط -

يعتقد كثيرون أن وسائل التدفئة الحديثة حل مثالي لمن يقطنون في المناطق التونسية التي تشهد انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة، لكن مع ارتفاع أسعار المحروقات، ونقص الغاز في العديد من المناطق، وخصوصاً النائية، إضافة إلى غلاء أسعار الفحم، يلجأ سكان الأرياف والقرى الفقراء إلى الحطب للتدفئة.
ويتوجه العشرات يومياً، سواء عبر الدواب، أو مشياً على الأقدام، إلى الغابات والجبال لجمع الحطب، وهي مهمّة تقوم بها النساء كما الرجال، وحتى الأطفال. تقول رفيقة (35 سنة)، من سكان منطقة سجنان بمحافظة بنزرت، إنّ "سكان الأرياف يجمعون مؤونتهم من الحطب خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، أي قبل حلول الشتاء الذي يصعب التنقل فيه داخل الغابات، بسبب سوء الأحوال الجوية والأوحال. لكن هذا العام أغلبهم لم يحتاطوا كثيراً، ولم يفكروا في تخزين الحطب لأن الشتاء تأخر".
تضيف السيدة التونسية: "نتوجه صباحاً إلى الغابات القريبة لنجمع الحطب الذي يسقط من الأشجار بفعل الرياح، أو نجمع مخلّفات الحرائق. لا نقطع الجذوع الكبيرة، فهذا أمر صعب، ولكن نجمع ما نستطيع حمله على ظهورنا، أو على الدواب. نستعمل الحطب طيلة الموسم الشتوي، سواء في التدفئة أو طهي الخبز في أفران الطين على الطريقة التقليدية".

وتُباد سنوياً آلاف الأشجار بسبب حرائق تشتعل أغلبها بفعل فاعل، أو بسبب قطعها بطرق عشوائية من قبل عصابات الخشب وتجار الفحم. لكن سكان المناطق الريفية لا يملكون القدرة على شراء وسائل التدفئة الحديثة، وحتى التقليدية منها باتت بعيدة المنال، ما يضطرهم إلى الحطب، الذي يستعملونه لحماية أسطح بيوتهم من الثلوج والأمطار أيضاً، أو لبناء أكواخ لإيواء دوابهم ومواشيهم.
تجمع منجية أبيضي الحطب لطهي الخبز في فرن تقليدي مصنوع من الطين، وهو ما يُعرف في تونس بخبز "الطابونة". تبيع الخبز للمارة على الطريق المؤدي إلى العاصمة. تتنقل مسافات طويلة يومياً للحصول على الحطب. لكن المهمة باتت أكثر صعوبة بعد اختفاء آلاف الهكتارات من الأشجار، بسبب الحرائق والقطع الجائر. وتعمل المئات من النسوة في تجهيز الخبز التقليدي للبيع، وغالبيتهن يستعملن الحطب الذي يجمعنه في الصباح الباكر، أو يشترينه من باعة الحطب.

الحطب ليس متوفراً للجميع (العربي الجديد)
الحطب ليس متوفراً للجميع (العربي الجديد)

وعلى الرغم من صعوبة الحصول عليه، فإنّ العديد من التونسيين لا يستغنون عن الحطب في فصل الشتاء، فبعضهم لا يقطعون الأشجار بطريقة عشوائية تضر بالثروة الغابية، بل يجمعون ما يجدونه من أغصان سهلة الحمل، خصوصاً بالنسبة للنساء اللاتي يخرجن في مجموعات للتحطيب سيراً على الأقدام لمسافات طويلة داخل الغابات، وهن يحملنه على ظهورهن، أو على دوابهن، ليتم تصفيفه داخل الأكواخ، أو في الساحة الأمامية لبيوتهن لاستعماله وقت الحاجة.
ولا يمكن الاستغناء عن الحطب في أغلب الأرياف التونسية، خصوصاً أنها تشهد نقصاً كبيراً في قوارير الغاز الطبيعي، لا سيما خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي خلال الأحوال الجوية السيئة.
وتؤكد العديد من المنظمات البيئية والمهتمة بالثروة الغابية أنّ الغابات باتت مهددة بالزوال، نتيجة الحرائق والقطع العشوائي للأشجار، وأنّه لا يمكن تعويض خسارة الثروة الغابية إلا عبر غرس آلاف الأشجار سنوياً، حتى يجري الحفاظ على الغابات من جهة، وتوفير مخزون من الحطب لتدفئة سكان المناطق الريفية الذين يعتمدون عليه.
يقول عبد الكريم عريضي، من سكان منطقة كاف الضرابين بمحافظة جندوبة، إنّ "إدارة الغابات تمنع أي شخص من قطع الأشجار أو الأغصان الكبيرة، وتمنحنا الحق في جمع بقايا حطب الأشجار والأغصان الصغيرة. ما دون ذلك يضطر إدارة الغابات إلى تسليط عقوبات على الأفراد، وغرامات مالية على كلّ من يعمد إلى قص أغصان الأشجار. في كثير من الأحيان لا نجد بقايا الأشجار، ولا أغصان نلتقطها، وفي الوقت نفسه قد لا نجد من يبيع الحطب، كما لا نستطيع شراء الفحم أو الغاز. ما يضطرنا إلى التنقل لمسافات طويلة للبحث عن الحطب لتخزينه".

واتخذت السلطات التونسية إجراءات قانونية لحماية الثروة الغابية، إذ يقوم فريق من حراس الغابات بالتنقل يومياً في مناطق جبلية عدة لإجراء عمليات رقابة، وضبط من يقوم بقص الأشجار، أو التحضير لصناعة الفحم من دون تصريح مسبق.
ويتداول العديد من نشطاء البيئة صوراً لعمليات قص الأشجار، خصوصاً في غابة الرمال بمحافظة بنزرت، والتي يقوم بها تجار الأخشاب ممن يقطعون الأشجار بوسائل متطورة سريعة، وتجري العمليات غالباً في الليل، ويكتشف سكان المناطق الداخلية بشكل متكرر قطع مئات الأشجار، على الرغم من الرقابة المستمرة.

المساهمون