احتفل الآشوريون والسريان في سورية، أمس الخميس، بواحد من أقدم الأعياد التي عرفتها البشرية، وهو عيد "أكيتو"، الذي يصادف مطلع شهر إبريل/ نيسان الذي يُعرف بشهر السعادة. و توارثت هذا العيد حضارات عديدة في بلاد الرافدين على مرّ آلاف السنين، بدءاً بالحضارة السومرية مروراً بالإمبراطورية الأكادية وصولاً للحضارتين الآشورية والبابلية.
سيلفا سومي، من مدينة القامشلي، شاركت أمس الخميس في احتفالات عيد "أكيتو"، وتحدثت عن هذا العيد لـ"العربي الجديد" قائلةً: "أتينا لنحتفل بالعيد بعد سنوات من الحرمان، جئت برفقة الأقارب والأصدقاء، أحضرت البيتزا معي. الطعام من أساسيات العيد، أنا كربّة منزل، لم أحتفل بالعيد منذ أكثر من عقد، العيد يمثل لنا بداية جديدة، بداية عام خير وسلام نتمنى أن يعمّ سورية".
وتعبّر مدرّسة اللغة السريانية ليندا ظاهر عن فرحتها بهذا العيد، وتقول لـ"العربي الجديد": "أتيت أشارك الناس بالفرحة والربيع والجو الجميل، سورية أم السريان بالنسبة إليّ، يرافقني شعور بالفرح العارم، وهذا أول عام أخرج فيه للاحتفال. الأمر الآخر الذي يبعث في النفس على السرور، هو رؤية الزيّ والتراث السرياني الذي كاد أن يندثر يعود للحياة في هذا العيد، مع رؤية الشبان والشابات يؤدون الرقصات الشعبية، المتوارثة منذ سنين بعيدة".
العام الماضي، حُرمت ليندا من هذه الأجواء بسبب فيروس كورونا، أمّا العام الحالي، فهناك إقبال ومشاركة واسعة في العيد، مع اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية من الفيروس. وأشارت إلى أنّ قسماً من الشبان ارتدوا الزي الآشوري التقليدي، وهو عبارة عن سروال وحزام عريض أشبه بالطوق، يسمى "الكمر"، إضافة للقبّعة التي تزيّن بريش الطيور، وكذلك الفتيات ارتدين أيضاً الزي التقليدي والتراثي، وهو عبارة عن ثوب طويل مشدود بحزام مزيّن، بالإضافة لشال مزركش يوضع على الرأس، ويسمى اللباس الخاص بالعيد "جلة خمالا".
"أكيتو" بالنسبة للمحتفلين هو تناغم موروث حضارات، حُفظ جيلاً بعد جيل، وهو نقل أساطير عن الآلهة والممالك وبدء الخليقة. بقي منه مع مرور الزمن طقس الخروج للطبيعة وتشارك الطعام بين المحتفلين، إضافة لطقوس الاحتفال والفرح.
بشير سعدي، أحد آشوريي سورية، وله اطلاع واسع على الحضارة الآشورية، تحدّث عن "أكيتو" وبعده التاريخي وجذوره، وقال: "الأول من نيسان هو عيد رأس السنة البابلية الآشورية "أكيتو"، وهو عيد قومي للشعب الكلداني السرياني الآشوري. كانت البداية قبل 6771 عام، في مدينة أور من أرض الرافدين، حيث ابتكر الأجداد أولى الأبجديات وأقدم الحضارات، ومغامرة العقل الأولى سعياً لاكتشاف أسرار الكون والوجود والخلود. وكانت الاحتفالات بعيد "أكيتو" تجري في معظم بلاد الرافدين، وتستمرّ الاحتفالات به لمدة 12 يوماً، تجري خلال هذه الأيام مراسم طقسية تتمثّل فيها أسطورة الخلق وأسطورة "اينوما ايليش"، لتعود خلالها الحياة للإله مردوخ على يد ابنه الإله نابو، لتبعث الحياة في الطبيعة في دورة حياة جديدة".
أضاف سعدي: "مع حلول "أكيتو" لبداية عام جديد، ورغم واقع الألم والحزن والمأساة، ورغم عمق الجراح، ورغم مشاعر الإحباط واليأس التي تسود شعبنا وشعوب أوطاننا الجريحة، لا بد من أن يتجدّد الأمل بانبعاث مستقبل جديد، عساه أن يكون حافلاً بالسلام والأمان، وتسوده قيم العدل والمساواة وشرعة حقوق الإنسان، وتنال فيه الشعوب المظلومة حقوقها المشروعة في الوجود والحرية والسلام. وعسى أن يكون "أكيتو" القادم، والـ"نوروز" المقبل، أعياداً وطنية في سورية جديدة حرة ديمقراطية، وطناً نهائياً لكل أبنائها".
وعيد "أكيتو" هو عيد رأس السنة الآشورية، الذي يصادف في الأول من إبريل/نيسان من كلّ عام، وهو عيد رأس السنة الآشورية، وفق أقدم تقويم للبشرية، معتمد حتى الوقت الحالي. ووفقاً لهذا التقويم، فإننا دخلنا في عام 6771، ويرمز العيد إلى تجدّد دورة الحياة في العام، والطبيعة والاعتدال الربيعي، إذ ارتبط العيد بحضارات اتصلت بالطبيعة واعتمدت على الزراعة.
وهو أقدم عيد عرفته حضارات الشرق الأدنى، احتفل به الأكاديون والعموريون والكلدان والسريان والآشوريون في سورية والعراق منذ آلاف السنين قبل الميلاد، وحافظت الطوائف المسيحية في سورية على الاحتفال به على مدار 12 يوماً من كل سنة، مع بدء رأس السنة الآشورية والبابلية في إبريل/ نيسان من كل عام. وارتبط الاحتفال بعيد أكيتو بالعلاقة بين آلهة القمر "نانا" وآلهة الشمس "أوتو" لدى الآشوريين، وحضارات بلاد ما بين النهرين، وتختلف الروايات التاريخية بخصوص هذا العيد.