الدنمارك: الأزمة المعيشية تزيد نسبة الفقراء

11 أكتوبر 2022
نزهة لا تكلف شيئاً (فرانسيس دين/ Getty)
+ الخط -

على الرغم من أن الدنمارك تعد إحدى البلدان الاسكندنافية التي تتمتع بالرفاهية، إلا أن التضخّم وارتفاع الكلفة المعيشية باتا يؤثران بشكل غير مسبوق على آلاف العائلات، التي تخشى عدم القدرة على دفع بدلات الإيجار أو المستحقات المتوجبة عليها إلى المصرف، في حال كان المنزل ملكاً لها وقد حصلت على قرض مالي لشرائه.  
وباتت وسائل الإعلام الدنماركية تقدّم إرشادات إلى المواطنين، تبدو في بعض الأحيان غريبة لكنها ضرورية للتغلب على الأزمات الخانقة، على غرار كل من السويد والنرويج، منها ما يتعلق بعدم هدر المياه أثناء الاستحمام، وهو ما ورد في صحيفة "إنفورماسيون". كما قدمت صحف ومواقع أخرى في الدول الاسكندنافية "المواقيت الأفضل لغسل الملابس"، مشيرين على سبيل المثال إلى أن كلفة الكهرباء عند الثانية من ظهر يوم معيّن ستكون صفراً بحسب الرياح التي تهب وتساعد على توليد الكهرباء من العنفة، بعدما مرت أوروبا بفترة جفاف وانعدام للتيارات الهوائية.  

واللافت في نصائح الاستهلاك التوفيرية أنها تؤثر على العلاقات الاجتماعية. وأوردت صحيفة "إنفورماسيون" أنه "كل ما عليك فعله الهرب حين يحين دورك لجلب المشروبات إلى طاولة الأصدقاء. تحجج أنه لدي مكالمة، ثم أخبرهم عن حاجتك للذهاب إلى المنزل سريعاً. في الوقت نفسه، تحذر من عدم تكرار الأمر حتى "لا تصبح منبوذاً من قبل الأصدقاء".  
هذه النصيحة هي واحدة من قائمة طويلة تدفع الناس إلى إعادة التفكير بعاداتهم، كالتوقف عن ارتياد دور السينما، والاشتراك بدلاً من ذلك بموقع "نتفليكس" أو غيره لمشاهدة الأفلام، على اعتبار أن كلفة الاشتراك هي أقل من ارتياد السينما (نحو 20 دولاراً). ويقول خبراء في هذا الإطار إن بقاء الناس في البيوت مساء يوفّر حوالي 10 دولارات. نصيحة أخرى تقول: "مزّق بطاقتك الائتمانية للحد من سحب المال".  

أسر بلا مسكن 
الأزمة التي تواجه أوروبا، والمستمرة منذ نحو 8 أشهر من جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، جاءت بعد إلغاء القيود التي فرضت على المواطنين مع تفشي فيروس كورونا الجديد، الأمر الذي أثر على أكثر العائلات الأوروبية فقراً. ومع ارتفاع الكلفة المعيشية وسط تحذيرات من الأسوأ حتى صيف العام المقبل، فإنّ شد الأحزمة لم يعد كافياً لدى الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة. ففي كوبنهاغن، تبحث المحاكم في الكثير من القضايا المرفوعة ضد مستأجرين ألقي بهم في الشارع لعدم قدرتهم على دفع بدلات الإيجار، وزاد عدد هؤلاء العاجزين عد دفع بدلات الإيجار بالمقارنة مع العام الماضي. وخلال الأشهر الأخيرة، تشير الأرقام إلى أن 1133 باتوا مشردين، وتعد هذه الأرقام أعلى بنسبة 25 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي. يضاف إلى ما سبق إلغاء عقود أكثر من 3 آلاف و700 مستأجر بسبب "انتهاك العقد". 

الغلاء بفوق قدرة عائلات كثيرة (أوليه جينسين/ Getty)
الغلاء يفوق قدرة عائلات كثيرة (أوليه جينسين/ Getty)

ونقل التلفزيون الدنماركي، عن نائب مدير منظمات الإسكان والمستأجرين (بي إل) سولفاي روبيرغ تينغي، قوله إن المزيد من الناس يشعرون اليوم بعجز مادي يجعلهم غير قادرين على دفع بدلات الإيجار. وتؤكد المنظمات المعنية بالإسكان العام والمستأجرين الدنماركيين أن ارتفاع نسبة التضخم يعدّ سبباً رئيسياً لهذا العجز، وخصوصاً الشباب أصحاب الدخل المحدود. تضيف أن "لدى بعض العائلات موارد مالية محدودة لتغطية فاتورة الطاقة الإضافية والتسوق وغيرها من احتياجات الحياة اليومية". 
في ظل هذا الوضع المعيشي الصعب الذي ينسحب على العائلات وأصحاب المقاهي والمطاعم والشركات وغيرها، حاولت الحكومة الدنماركية التدخل خلال الأسبوع الماضي من دون أن تنجح في تقديم مساعدات مالية لشعبها. وبدلاً من انتهاج سياسة تعويضية كالتي تبنتها الحكومة الألمانية، لجأت حكومة يسار الوسط التي ترأسها ميتا فريدركسن، في أواخر أغسطس/ آب الماضي، إلى وضع سقف لبدلات الإيجار يمنع على الشركات تجاوزه بأكثر من 4 في المائة، إلا أن ذلك لا يشمل الشركات الكبرى. ونتيجة تراكم الديون والفوائد، عمدت سطات كوبنهاغن إلى إرجاء دفع الفواتير الطارئة حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه. وينتقد كثيرون هذه الحلول التي يرون أنها تؤدي إلى تفاقم الأزمة وزيادة نسبة الفقر.  
شركات السكن لم تلتزم بوضع حد لرفع الإيجارات السنوية، وأرسلت لأكثر من مليون مواطن إنذارات تخطرهم بزيادة بدلات الإيجار بما يتجاوز النسبة التي حددها الحكومة. بل عمدت بعض الشركات إلى زيادتها بنسبة 14 في المائة مع بداية الشهر الحالي، وهو ما اعتبره خبراء اجتماعيون أمراً سلبياً سيؤثر على مفهوم العدالة الاجتماعية في بلد الرعاية والرفاهية الذي يتفاخر بالمساواة. لكن في الوقت الحالي، تزداد الفجوة بين الأثرياء وأصحاب الدخل المحدود.  
وتسعى السلطات الدنماركية إلى منع تشرد العائلات والأطفال من خلال نقلهم إلى مراكز إيواء ومساكن مخصصة للحالات الطارئة، على الرغم من أن هذا الواقع ليس مثالياً للأسر والصغار، إلا أنها تبقى حلولاً مؤقتة بانتظار تأمين مساكن دائمة لهم. وبحسب المركز القومي للبحوث للرعاية الاجتماعية في كوبنهاغن (VIVE)، فإن واحداً من كل خمسة مواطنين ألغيت عقود إيجارهم، ما زالوا بلا مأوى ثابت حتى بعد مرور عام على ذلك. 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

في النتيجة، فإن تزايد نسبة طلب المساعدة للتغلب على الأزمة المعيشية، وتقديم آلاف المهددين بالتشرد طلبات مساعدة من أجل البقاء في مساكنهم، بحسب رئيسة المبادرات المستدامة في منظمة "دوميا" المعنية بالشؤون الاجتماعية كاتيا ليندبلاد كلاوسن، يؤشر إلى أن الأزمة التي باتت ترخي بظلالها على القارة الأوروبية لا تعرف استثناءات، وتشمل الدول التي اعتقد مواطنوها أن أنظمتهم أصلب من أن تتعرض لانتكاسات غير معهودة، أقله بالنسبة للأجيال التي لم تعش فترات الركود بعد الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وآثارها الاقتصادية والاجتماعية.  
وبعدما خرجت القارة الأوروبية من الركود الاقتصادي الذي فرضته جائحة كورونا، وجدت نفسها اليوم محاصرة بانتهاج روسيا سياسة تصادم غير مسبوقة مع أوروبا، والتي تسببت بفوضى وأزمة طاقة انعكست على الأوضاع المعيشية إلى درجة كبيرة. 

المساهمون