حملت مدينة الرقة السورية في الفترة بين عامي 2012 و2013 لقب "فندق الثورة" الذي أطلقه ناشطون في تلك المرحلة، بعدما احتضنت المدينة عائلات من مختلف المناطق والمحافظات، وبينها حلب وحمص ودير الزور وحماة ودمشق وريف دمشق.
وبعد سيطرة فصائل الجيش الحر على المدينة وخروجها عن سلطة النظام السوري في مارس/آذار 2013، استقرت غالبية هذه العائلات المهجرة من المناطق السورية في مدارس ومؤسسات حكومية ومراكز إيواء ومخيمات عشوائية. وبقيت في المواقع ذاتها حتى بعد سيطرة تنظيم "داعش" على الرقة، ثم "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي أنشأت عدة مخيمات أكبرها الهول، حيث مكثت عائلات كان مقاتلو تنظيم "داعش" اصطحبوا أفرادها معهم خلال خروجهم من الرقة عام 2017 في اتجاه الباغوز بريف دير الزور الشرقي، قبل أن يعودوا، وغالبيتهم من النساء والأطفال، أدراجهم إلى المخيم بعد انتهاء وجود التنظيم، وتبدأ محاولات دمج الأطفال تحديداً في المجتمع، ما تطلب عملاً دؤوباً من منظمات المجتمع المدني، والذي ما زال مستمراً بالتعاون مع وجهاء الرقة.
يقول شيخ قبيلة العفادلة، هويدي شلاش المجحم، لـ"العربي الجديد": "أعمل منذ ثلاثة أعوام مع شيوخ ووجهاء العشائر في الرقة ودير الزور على تنظيم جولات إلى المخيمات، سمحت بتمييز العائلات التي قطنت في مخيم الهول تحديداً نتيجة الظروف والحرب الدائرة، وتلك التي تضم زوجات وأطفالا أخرجهم مقاتلو داعش إلى الباغوز قبل أن يعودوا، تمهيداً لمعالجة خلط مفهوم العائلات التابعة للتنظيم وتلك المدنية.
يتابع: "تكفلت مع باقي شيوخ عشائر الرقة بنحو 800 عائلة في مخيم الهول تضم نحو 3200 طفل، بعدما تحققت إدارة المخيم من ملفاتهم الأمنية، وأعدنا النساء والأطفال إلى مجتمعهم وعشائرهم وأهلهم، وهذه مهمة شاقة نتحمل أعباءها جميعاً".
ويخبر مدير منظمة "شباب أكسجين" بالرقة، بشار الكراف، "العربي الجديد" بأنه "جرت معالجة الحالات الإنسانية الخاصة بالتعاون مع لجنة حل النزاع بالرقة التي تضم وجهاء وحقوقيين وتربويين ونساء ناشطات وشخصيات مؤثرة. وقد تولت اللجنة حل القضايا المتعلقة بالنساء والأطفال الذين خرجوا من مخيم الهول بكفالة شيوخ العشائر، وذلك بعد تثبيت خلو سجلّهم الأمني من الجرائم والانتهاكات، وقد نشأ غالبيتهم في ظروف المخيم، ولا يعلمون شيئاً عن الحياة المدنية، علماً أنهم من الطبقة الفقيرة ولا يملكون مأوى، ما يعني أنهم ينتمون إلى الفئة الأكثر هشاشة. علماً أن غالبية الأطفال الذين وُلدوا في المخيم من الأيتام الذين واجهوا تحديات عدة في المجتمع. وقد تابعت اللجنة أوضاع من خرجوا من المخيم، واهتمت خصوصاً بتأمين مأوى لهم من خلال توفير 20 منزلاً سكنت فيها أرامل وأطفال غالبيتهم دون ست سنوات. وتمثل التحدي الأكبر الذي واجهته اللجنة في تعليم الأطفال، وسط أوضاع مادية صعبة لا تسمح بالتحاقهم بالدراسة".
يضيف الكراف: "وضعت لجنة حل النزاع خطة لإعادة دمج العائلات، وتأمين وضع مناسب، من خلال منح أولوية لتعليم الأطفال، وتنظيم دورات لرفع مستوى تأهيلهم الاجتماعي، وتوفير دعم نفسي لهم بمشاركة منظمات المجتمع المدني في الرقة، ووضعهم ضمن مراكز تعليمية. وقد استطاعت تأمين عودة 50 طفلاً إلى مقاعد الدراسة بالتعاون مع لجنة التربية والتعليم في الرقة، ومتابعة أطفال آخرين من خلال دورات خاصة احتضنتها مراكز للتأهيل والتدريب".
بدورها، تقول نجاح الخوجة، وهي عضو في لجنة حل النزاع، لـ"العربي الجديد": "شملت مهمتنا الأولى تأمين وثائق ثبوتية رسمية لأطفال عائلات مخيم الهول، واستخراج بيانات خاصة تحدد أماكن سكنهم في الأحياء والقرى، واعتمدنا هذه الوثائق في تسجيل الأطفال في المدارس، فيما تواصلنا مع أمهات الأطفال لإخضاعهن لدورات دعم نفسي وتثقيف، سمحت باستعادة الثقة لإعادة ذهنية التعامل السليم مع مستلزمات الحياة الطبيعية للأطفال. وحتى الآن، جرى تسجيل أكثر من 50 طفلاً من عائلات الهول في مدارس تشرف عليها لجنة التربية، وهم من مختلف الأعمار والمراحل الدراسية ومن كلا الجنسين، كما التحق 100 طفل وطفلة دون الخمس سنوات برياض أطفال ومراكز تابعة لمنظمات دولية تعنى بتوفير الدعم النفسي في الرقة. كذلك نظمت اللجنة دورات تدريبية لنساء وأرامل من عائلات مخيم الهول، شملت سبل العيش والمهن اليدوية والحرف ومحو أمية".
وتقول أم آلاء (35 عاماً)، وهي أرملة من مدينة الرقة لديها ثلاثة أطفال وخرجت أخيراً من المخيم بكفالة شيوخ العشائر بعد تأكيد خلو سجلها الأمني من أي انتهاكات، لـ"العربي الجديد": "بعدما تكفل الشيخ هويدي الشلاش بشؤوني على غرار أفراد عائلات أخرى في المخيم، انتهت الأوضاع الصعبة التي قاسيتها مع أطفالي الذين عانوا بدورهم من العدوانية والانطواء والعزلة والخوف".
تتابع: "تواصلت لجنة حل النزاع معنا وسجلت ابنتي إيماء البالغة 8 سنوات وابني صلاح البالغ 10 سنوات في روضة نسمة للدعم النفسي التي تقدم دروساً تعليمية وتدريبية لتطوير المهارات. وخلال فترة الصيف تطورت سلوكيات أطفالي الذين تعلّموا القراءة والكتابة. ومنذ بداية العام الدراسي الحالي، التحقت إيماء بعد إجراء اختبار بالصف الثاني الابتدائي، وصلاح بالصف الخامس".