يرجع الكثير من مواطني أفغانستان التردي القائم في خدمات القطاع الصحي في البلاد إلى الاحتلال والحروب المستمرة منذ أربعة عقود، في حين يؤكد البعض أن سياسات حركة طالبان التي تولت الحكم قبل عامين، أضافت المزيد من المشكلات إلى أوضاع القطاع الصحي المتهالك، إذ يتقلص الكادر الطبي النسائي بسبب إصرار الحركة على منع الفتيات من ارتياد الجامعات، فضلاً عن تأثيرات مباشرة لعدم الاعتراف بحكومة طالبان من قبل المجتمع الدولي على الوضع الصحي.
ويؤكد المولوي عبد الحق دين محمد، من ولاية فراه، لـ"العربي الجديد"، أن "الكثير من مناطق الولاية محرومة من خدمات الرعاية الصحية، فعلى سبيل المثال، تضم مديرية كلستان ثلاث مناطق هي سيداه وجوكو ولامان، وتعيش فيها أكثر من ألف أسرة، بينما لا يوجد مركز صحي واحد، والسكان يعانون للحصول على الرعاية الصحية، ويتم نقل المرضى إلى مناطق أخرى للحصول على العلاج رغم وعورة الطرق، وعدم توفر وسائل الموصلات الكافية".
ويقول محمد حسين، من مديرية كلستان، لـ"العربي الجديد": "لا توجد مراكز صحية في غالبية مناطق المديرية، ومعظم السكان محرومون من الرعاية الصحية، ويعتمدون على الطرق الشعبية في معالجة الأمراض، والمديرية جبلية، وبالتالي فإن نقل المرضى إلى مناطق أخرى صعب للغاية، وعادة ما نستخدم الدراجات النارية للذهاب إلى مركز المديرية حيث يوجد مركز طبي، وتستغرق الرحلة نحو ثلاث ساعات ذهاباً وإياباً، وفي معظم الأحيان يقضي المريض نحبه خلال الطريق، والمشكلة أكبر بالنسبة للنساء الحوامل، وعلى الحكومة أن تتخذ خطوات جادة حيال ما تواجهه المديرية من مصاعب الرعاية الصحية".
بدوره، يكشف عبد المجيد خان، من منطقة جوكي، أن المنطقة تضم أكثر من ثلاثة آلاف أسرة، والأسر عادة كبيرة بسبب العادات القبلية السائدة، إذ يعيش الإخوة وأبناء الإخوة معا، مضيفاً أن "منطقة تضم هذا العدد من السكان لا يوجد فيها عيادة أو مستشفى، وعندما نمرض نعتمد على الأعشاب، لكن طرقنا تكون غير مجدية في كثير من الأحيان، وعندما نذهب إلى مركز المديرية نأتي بما نحتاج إليه من أدوية، خصوصاً المسكنات وأدوية الإسهال. حكومة طالبان تعرف أوضاع القبائل التي ساندتها خلال الحرب ضد الاحتلال الأميركي، ومنذ وصولها إلى سدة الحكم تركز اهتمامها على المدن، بينما لا يزال الريف منسياً كما كان في زمن الحكومات السابقة، والتي كانت تتحجج بوجود مقاتلي طالبان في تلك المناطق، بينما لا يوجد حالياً مبرر لتجاهل توفير الرعاية الصحية لنا".
وتختلف أوضاع الخدمات الصحية من منطقة إلى أخرى، وقد يكون الوضع في بعض المناطق أفضل نسبياً، غير أن القاسم المشترك بين كل المناطق الريفية هو قلة الاهتمام الحكومي. يقول أسد الله خان، وهو أحد سكان مديرية غورماج في ولاية بادغيس، لـ"العربي الجديد": "المشكلة الأساسية هي عدم توفر الكفاءة لدى الحكومة، والذي يؤدي إلى عدم اهتمامها بالمناطق الريفية، فالاهتمام كله منصبّ على المدن، ومديرية غورماج من بين المديريات التي تضم كثافة سكانية عالية، وفي كل المديرية هناك مركز طبي واحد في مركزها، ويأتي إليه الناس من كل القرى والأرياف، رغم أن إمكاناته هشة للغاية، فلا يوجد فيه الكادر الطبي الكافي، وحكومة طالبان لا تبالي بهذا الوضع، فمعظم المسؤولين في قطاع الصحة هم من علماء الدين، ولا يعرفون كيفية تطوير هذا القطاع، ومن هنا لا نتوقع منهم أن يفعلوا شيئاً لتحسين الأوضاع".
من جانبه، يقول رئيس إدارة الصحة المحلية في غورماج، الطبيب عجب خان محمدي، لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع الصحي في المديرية هش للغاية، لكن هذا لا يعني أن الحكومة لا تهتم، فلدى الحكومة خطة، لكن إمكاناتها ضعيفة، غير أن الأعمال مستمرة، وقد وافقت وزارة الصحة على إنشاء مجمع طبي في المديرية، ويجري العمل على تنفيذ هذا القرار".
وكان سكان المناطق الريفية يعتمدون في السابق على الرعاية الصحية التي تقدمها المؤسسات الدولية المعنية بالقطاع، لكن مع سيطرة طالبان على السلطة أغلقت معظم تلك المؤسسات أبوابها، وما تبقى من مشاريعها مهدد. فعلى سبيل المثال، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنهاء إدارتها المالية لـ25 مستشفى في أفغانستان بحلول نهاية شهر أغسطس/آب، وقال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ديوغو ألكانتارا، في تصريح صحافي، إنهم يعملون جاهدين على تطوير آليات بديلة لدعم تلك المستشفيات.