لم تستطع مرام الكروم (36 سنة) إعادة إنهاض مشروعها الذي لحقت به خسائر كبيرة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة شمال سورية في السادس من فبراير/ شباط من العام الماضي، إذ دُمرت معدات عملها في الحلاقة والتجميل، واضطرت إلى النزوح عن منزلها في مدينة حارم شمال غربي إدلب.
افتتحت مرام صالوناً لتصفيف الشعر والتجميل قبل أشهر قليلة من حصول الزلزال، ثم فقدته "بغمضة عين" بعدما انهار المبنى الذي كان فيه الصالون، والذي كانت تقيم فيه أيضاً مع عائلتها المؤلفة من زوجها وثلاثة أبناء وذلك بعد وقت قصير من الزلزال.
تخبر مرام "العربي الجديد" أنها بذلت جهوداً كبيرة لجلب المعدات الخاصة بمشروعها من خلال أموال استدانتها، لكن الزلزال قضى على أحلامها في استمرار مصدر رزقها، ولم تستطع متابعة مشروعها بعدما نزحت عن منزلها، وأقامت في مخيمات تل الكرامة شمالي إدلب.
تضيف أنها تخشى أن تنسى كيفية ممارسة المهنة إذا توقفت فترة طويلة عن العمل بتأثير عدم إمكان شرائها معداتها في قت قريب نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها، وتناشد المنظمات الإنسانية في المنطقة النظر في أحوالها التي ساءت بعدما نزحت وتوقف عملها.
بدورها، فقدت ولاء الكريم (41 عاماً) التي تملك مشروعاً صغيراً لصناعة المعجنات، معداتها خلال الزلزال الذي تسبب في انهيار المبنى الذي يضم المحل ومنزلها في مدينة سرمدا شمالي إدلب.
وتخبر "العربي الجديد" أنها بدأت العمل في مشروع صناعة المعجنات قبل نحو 4 سنوات بعدما نزحت عن بلدتها في ريف إدلب الجنوبي جراء قصف قوات الأسد، وتهجيره أبناءها قسراً، ثم أتى الزلزال وأكمل المآسي عبر زيادة التشرّد والفقر. وتقول: "اجتهدت في إنجاح مشروعي البسيط، وحين أصبحت أستقبل طلبات دائمة وشبه يومية في مجال صناعة الكيك وأنواع المعجنات والحلويات أنهى الزلزال كل شيء، إذ لم أعد أملك معدات لصناعة المعجنات أو مكاناً لصنعها أو حتى زبائن، والمهم حالياً أن أجد مأوى آمناً بعدما نقلني الزلزال إلى خيمة من قماش لا تقي حرّاً أو برداً".
أما عليا البربور (32 عاماً) التي فقدت بضائع ألبسة نسائية جاهزة كانت تبيعها في شقتها التي تقع بمدينة سلقين، وانهارت جراء الزلزال، ما جعلها تنجو من براثن الموت بصعوبة مع باقي أفراد أسرتها، فتقول لـ"العربي الجديد": "كان مشروع بيع الألبسة يدر لي دخلاً يغنيني عن الحاجة والسؤال، خاصة بعدما جمعت مجموعة زبائن في المنطقة التي أقمت فيها، ثم قضى الزلزال عليه، وضاعف معاناتي".
تضيف: "منع ارتفاع الأسعار عودتي لمزاولة مهنة بيع الملابس، والتي تحتاج إلى رأسمال مضاعف لم أعد أملكه لأنني بعت كل ما أملك لإطلاق مشروعي لبيع ألبسة وجدت فيه فرصة لكسب العيش الكريم. وهكذا أعادني الزلزال مجدداً إلى نقطة الصفر".
وتعلّق المرشدة النفسية والاجتماعية رندة البكور، في حديثها لـ"العربي الجديد": "انهيار مشاريع صغيرة أدارتها نساء في إدلب جراء الزلزال حتم خسارتهن فرصة جيدة لتحسين مستوى حياة عائلاتهن وسط الفقر والغلاء، وبتن في المقابل يواجهن حياة مهددة بالفقر، وضيق الحال، وانتظار السلة الإغاثية".
وتشير إلى أن "التأثيرات السلبية للتحديات النفسية التي تواجه هؤلاء النساء بسبب تجاربهن القاسية مع النزوح وفقدانهن مصادر الرزق، وتعرضهن إلى اكتئاب وعدم الراحة والخوف والقلق ومتلازمة اضطراب ما بعد الصدمة وأنواع أخرى من الاضطرابات النفسية الشديدة، قد تستمر فترات طويلة.
وتشدد على ضرورة مساعدة النساء المتضررات " فالعمل ضمن المهن والمشاريع المتنوعة سيؤمن احتياجاتهن لهن ولأسرهن، ويساهم في إشغال أوقاتهن بما هو مفيد، ويجعلهن يعتمدن على أنفسهن، ولا يطلبن المال من أحد، وهذه عوامل مهمة في اعتماد المرأة على ذاتها وخروجها من الواقع المرير الذي تعيشه مع عائلتها في ظل الفقر والنزوح".
ويعاني سكان الشمال السوري أصلاً من شح في مساعدات الإغاثة، إلى جانب انتشار البطالة وقلة فرص العمل، وأيضاً من غلاء أسعار المواد الأساسية.
وسجلت مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال غرب سورية، ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الفقر والجوع والبطالة، وسط ضعف في الاستجابة الإنسانية، الأمر الذي يفاقم معاناة السكان والنازحين في المنطقة. وقال فريق "منسقو استجابة سورية" في تقريره الأخير إن حد الفقر المعترف به، ارتفع إلى قيمة 5018 ليرة تركية (حوالي 185 دولاراً)، وحد الفقر المدقع ارتفع إلى قيمة 3790 ليرة تركية (حوالي 140 دولاراً)، مشيراً إلى أن حد الفقر ارتفع إلى مستويات جديدة بنسبة 1.22 في المائة مما يرفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 89.24 في المائة.
ولفت الفريق إلى أن حد الجوع ازداد إلى مستوى جديد بارتفاع 1.34 في المائة، ما يرفع نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع إلى 39.64 في المائة، منوهاً إلى أن معدلات البطالة بين المدنيين تزداد بنسب مرتفعة للغاية، إذ زادت مؤشرات البطالة عن شهر مارس/ آذار الماضي 2.3 في المائة، بعد فقدان أكثر من 11372 عائلة مصادر دخلها نتيجة الزلزال الأخير الذي تعرضت له المنطقة، ووصلت نسبة البطالة العامة إلى 87.3 في المائة.