بعد مرور عام كامل على الانقلاب العسكري في السودان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ساءت الأوضاع الحياتية للمواطنين وصولاً إلى مرحلة الغليان، حتى إن منظمات دولية بدأت تتحدث عن أن ثلث سكان البلاد سيواجهون نقصاً في الغذاء بحلول نهاية العام الحالي.
سارعت السلطة الانقلابية إلى رفع أسعار مشتقات البترول، فوصل سعر ليتر البنزين إلى 700 جنيه (1.22 دولار) في يوليو/ تموز الماضي، وليتر الغازولين إلى 685 جنيهاً (1.19 دولار)، ما أثرّ على الاستهلاك وعمليات الانتاج، قبل أن تضطر الحكومة، بدءاً من مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إلى خفض سعر ليتر البنزين إلى 522 جنيهاً (91 سنتاً) والغازولين إلى 672 جنيهاً (1.17 دولار).
وفي قطاع الكهرباء، نفذت سلطات الانقلاب العسكري، في يناير/كانون الثاني الماضي، أكبر زيادة على التعرفة الرسمية بنسبة 600 في المائة للمساكن، فبلغ سعر المائة كيلوواط 500 جنيه (87 سنتاً)، ما جعل متوسط استهلاك المنزل الواحد في الخرطوم يتجاوز 15 ألف جنيه (26.22 دولاراً) شهرياً.
ووعدت الحكومة باستخدام المبالغ في الصيانة والتأهيل لضمان الوصول الدائم للتيار الكهربائي، لكن السودانيين يعانون حتى اليوم من انقطاع يومي في التيار. وفي مجال الصحة، ارتفعت أسعار الأدوية التي انعدم وجود بعضها في الصيدليات، وبينها تلك التي قد تنقذ حياة مرضى السرطان.
وفي مجال التعليم، ضاعفت المدارس الرسوم. وكشفت تقارير أصدرتها منظمات دولية أن الملايين من التلاميذ يحضرون إلى المدارس بلا وجبات طعام، بينما توقع تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن يكون 7 ملايين طفل خارج قاعات الدراسة.
وفي الحصيلة، يؤكد محللون أن قرار المؤسسات الدولية وقف دعم السودان جلب خيبات كبيرة لأكثر من 80 في المائة من الأسر، كانت موعودة بالحصول على دعم نقدي مباشر محدد بـ 5 دولارات لكل فرد شهرياً عبر برنامج يموّله البنك الدولي، الذي أرادت حكومة ما قبل الانقلاب استخدامه لتخفيف تأثيرات الإصلاحات الاقتصادية على الشرائح الضعيفة.
يذكر إدريس حمد، وهو أب لثلاثة أطفال، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن حياته زادت سوءاً بعد الانقلاب، "فحكومة الفترة الانتقالية السابقة قررت مثلاً جعل التعليم مجانياً، في حين تتحايل المدارس بكل الوسائل اليوم، وتفرض رسوماً تصل إلى 50 ألف جنيه".
يضيف: "أنا في حيرة حالياً، فمدرسة أبنائي الحكومية تطالبني بتسديد مبلغ 150 ألف جنيه (262 دولاراً)، بينما لا يتعدى راتبي الشهري 100 دولار. كما أحتاج إلى مبلغ آخر لشراء المستلزمات المدرسية والوجبات اليومية".
وحول تكاليف العلاج، يقول حمد إنها "تضاعفت بنسبة 300 في المائة خلال عام، في حين يندر وجود أدوية كثيرة، بينها تلك التي تستخدم في علاج نزلات برد الصغار وخفض الحمى، لذا تلجأ الأسر إلى وصفات عشبية للعلاج".
وتعلّق عبير عوض الكريم، الموظفة في شركة يملكها القطاع العام، في حديثها لـ"العربي الجديد، بأن "تردي الأوضاع المعيشية بعد الانقلاب وضع أسرتي تحت ضغط الاكتفاء بتناول وجبة واحدة يومياً تكلف مكوناتها خمس راتبها الشهري، كما أن كلفة تنقلي للعمل زادت وصولاً إلى 1600 جنيه (2.79 دولار) يومياً، أي أكثر من 25 ألف جنيه (43.7 دولارا) شهرياً، تساوي تماماً راتبي، لذا فضلت عدم الذهاب للعمل إلا مرة واحدة أسبوعياً، وهو ما يفعله معظم الموظفين والموظفات، ما يؤدي إلى تقليل الإنتاج في كل القطاعات". وترى أن "كل السياسات التي اتخذتها السلطة الانقلابية لم تراع مطلقاً مصالح الناس ومتطلبات حياتهم، واهتمت فقط بجباية الأموال".
بدوره، يتحسر موسى يحيى، وهو أب لخمسة أبناء، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على قرار المجتمع الدولي بعد الانقلاب وقف دعم برنامج "ثمرات". ويوضح أنه كان بدأ مع آخرين الإفادة من أموال ناهزت قيمتها 22.500 جنيه (39.33 دولاراً) له ولأسرته، ما ساعده كثيراً في تخطي ظروف الحياة، لكن توقف البرنامج أحبطه، في حين لم تقدم الحكومة الجديدة أي برنامج مماثل للشرائح الضعيفة، حتى إن أبواب ديوان الزكاة أغلقت أمامه".
وتقول سوسن الزين لـ"لعربي الجديد": "تضررت كثيراً من الانقلاب، لأنني كنت أكملت كل إجراءات شغلي في وظيفة ممولة دولياً في مصلحة حكومية بعد بطالة استمرت سنوات، وكان يفترض أن أبدأ العمل، لكن الانقلاب منع ذلك، بعدما أوقفت المصلحة إجراءات التعيين. والانقلاب يخلو فعلياً من أي فكرة لتوفير عمل للخريجين، ومعالجة ملف البطالة".
ويقول أحمد قمبيري، وهو معلم في المرحلة الابتدائية وناشط في مجال العمل الطوعي، لـ"العربي الجديد"، إن "الظروف الاقتصادية الراهنة تنعكس على عملية التعليم، فالطالب الذي تواجه أسرته صعوبات معيشية يأتي إلى المدرسة مشتت الأفكار وبلا تركيز، ويشمل الواقع ذاته المعلم الذي لا يتجاوز راتبه 83 ألف جنيه (70 دولاراً) ولا يؤدي مهمته على أكمل وجه، ويبحث عن وظيفة يومية أخرى، لأن راتبه لا يكفي لتأمين الخبز الشهري".
يضيف: "بادرت انطلاقاً من إحساسي بالأوضاع الصعبة للتلاميذ إلى تبني متعثرين من خلال رصد مطالب أولياء أمور بعضهم على منصات التواصل الاجتماعي، ثم استجاب عدد من فاعلي الخير لهذه المبادرات، وساعدوا في تدريس عشرات من الأيتام، كما أوجد بعضهم أعمالاً لأمهات من أجل تحسين وسائل عيشهن".
أما الناشط في مجال العمل الاجتماعي والإنساني فخري جبارة، فيرى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن آثار الانقلاب الأخير تعدت الجوانب المعيشية إلى ضرب النسيج الاجتماعي، ونشر العنصرية والمناطقية. وقد لمست ذلك خلال زيارتي 8 ولايات في إطار تقديم المساعدات للمتضررين من السيول والأمطار، حيث لاحظت غضب السكان من تجاهل السلطات محنتهم، حتى إن كثيرين منهم باتوا يؤيدون فكرة الانفصال عن السودان بسبب الظلم الاجتماعي والتهميش. وتحدث عن أن "35 قرية دمرت بالكامل في مناطق حدودية بولاية القضارف لم يزرها أي مسؤول، ولم يتحدث الإعلام الحكومي عنها. وحجم النزاعات القبلية التي انفجرت بعد الانقلاب تشكل مصادر تهديدات اجتماعية قد يؤدي تجاهلها إلى نتائج أكثر فداحة وسوءاً".