السودان: تنقيب عن الذهب... والمرض

23 اغسطس 2021
أي وسيلة للتنقيب عن الذهب (إريك لافورغ/ Getty)
+ الخط -

تطرح عمليات التنقيب عن الذهب ومعادن أخرى والتي تنفذها شركات خاصة، أو أهال بطرق بدائية وتقليدية، مخاطر صحية وبيئية في السودان، حيث اكتشفت في السنوات الأخيرة كميات كبيرة من الذهب في مناطق عدة، بينها في الشمال والشرق، ومنطقة البطانة وجنوب كردفان وولاية القضارف. وفي مرحلة أولى، استخدم الأهالي طرقاً تقليدية للحصول على الذهب، ثم جلبوا آليات ومعدات ومواد حديثة، قبل أن تمنح شركات متخصصة امتيازات للتنقيب.
ويبدي قاطنون قرب مناطق للتعدين أو مصانع، مثل محلية الصباغ - البطانة بولاية القضارف (شرق السودان)، قلقهم من هذه المخاطر. يقول إبراهيم محمد أحمد، وهو أحد الناشطين في مكافحة آثار التعدين ومخلفاته، لـ"العربي الجديد": "تضم منطقة محلية الصباغ - البطانة التي تبلغ مساحتها 23 ألف كيلومتر مربع، 10 مصانع لإنتاج الذهب، معظمها قرب مجمعات سكنية لا تبعد أكثر من مسافة 5 كيلومترات عن منشآتها، وكذلك منقبين عن معادن يعملون بوسائل تقليدية. وجميعهم يستخدمون مواد ومعدات تلحق أضراراً كبيرة بصحة الإنسان والحيوانات والبيئة".
يضيف: "تصل مخلفات التعدين إلى مجاري مياه الشرب والمساحات الزراعية، وتتسبب في أمراض كثيرة تشمل الجهاز التنفسي والكلى، وفي حالات إجهاض لدى نساء، وكذلك في جفاف الأشجار، كما تؤثر في الغطاء النباتي وتلحق تغييرات في التربة، وتؤدي إلى إنقراض أبقار وموت أجنّة الضأن. أما الدولة فغائبة عن مراقبة المصانع ومراكز التعدين، بدليل أن المخلفات تنقل في سيارات مكشوفة تطوف كل المناطق بلا مراعاة لاحتمال سقوطها وتبعثرها في الطرق".  

ويوضح محمد أحمد أن أهالي منطقة محلية الصباغ - البطانة تحركوا لدى جهات حكومية لمحاولة وقف الفوضى، وطالبوا بتشكيل لجنة علمية لمعرفة المواد المستخدمة في استخلاص الذهب وتحديد أضرارها، وإصدار توصيات عملية تحفظ حق الإنسان في العيش بعيداً عن أي مخاطر صحية وبيئية. كما اقترحوا وقف المصانع العاملة وتجميعها في منطقة واحدة، بعيداً عن المجمعات السكنية، وإلزامها مع الشركات بتنفيذ مسؤوليتها المجتمعية".  
في ولاية نهر النيل (شمال)، يحذر الأمين العام لجمعية حماية المستهلك ياسر ميرغني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من أن "الخطر الناتج عن التعدين العشوائي بلغ مرحلة استغلال حضانات الأطفال والمدارس خلال العطلة الصيفية لمعالجة مخلفات التعدين واستخلاص الذهب، ما يمثل استهتاراً بحياة الناس، علماً أن نتيجته تمثلت في ارتفاع معدلات الإجهاض، وإصابة أجنّة بتشوّهات".
ويكشف أن "جمعية حماية المستهلك شكلّت بالتعاون مع المجلس القومي لحماية البيئة وخبراء ومتخصصين لجنة تفقدت مناطق التعدين، وأخذت عينات من دم وشعر مواطنين ومنفذي هذه العمليات، وأرسلتها إلى مختبرات بالخرطوم في انتظار النتائج. وقد قرعنا جرس الإنذار مرات، وتابعنا مع وزارة العدل وضع قانون خاص بمعاهدة ميناماتا العالمية لحماية صحة الإنسان والبيئة من الانبعاثات البشرية، ومن إطلاقات مادة الزئبق ومركبات الزئبق. وأوصلنا ملف مشروع القانون إلى مجلس الوزراء الذي نحثه على الإسراع في إقراره".

أضرار كبيرة لحقت بمناطق التعدين (ياسويوشي شيبا/ فرانس برس)
أضرار كبيرة لحقت بمناطق التعدين (ياسويوشي شيبا/ فرانس برس)

أما البروفيسور المتخصص في الكيمياء والمنسق الوطني السابق لاتفاق "ميناماتا" في وزارة البيئة أسامة سيد أحمد حسين، فيعدد، في حديث لـ"العربي الجديد"، الآثار السلبية المرتبطة بالتعدين التقليدي للذهب في منطقة أبو حمد، شمال السودان، حيث يعيش حوالى 60 ألف شخص قرب 7 مصانع لتعدين الذهب، ويقول: "استخدام الزئبق والسيانيد في عمليات التنقيب تسبب في نفوق دواجن وحيوانات، وأثرّ على الزراعة في المنطقة. والأخطر أن الأمطار أوصلت مادة الزئبق إلى مياه نهر النيل، وبالتالي إلى الأسماك الموجودة فيه والتي يتناولها الناس، علماً أن استخدام مياه النيل قد يتسبب في أمراض سرطان الجلد، وتساقط الشعر، وتقليل خصوبة الرجال والنساء معاً، وتدمير بساتين تزرع فيها أشجار نخيل وفواكه ونباتات وبقوليات".
ويحدد حسين الحل في تطبيق اتفاق "ميناماتا" الدولي الخاص بمنع استخدام الزئبق نهائياً، وهو ما تعهد به السودان عام 2018، مع تحديده مهلة تمتد حتى عام 2020، لتنفيذه، الأمر الذي لم يحصل.  
ويرى الإعلامي محمد أحمد الفيلابي، المتخصص في شؤون البيئة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة السودانية والقطاعين العام والخاص تتحمل جميعها مسؤولية التجاوزات البيئية والأخلاقية التي تحصل في مناطق التنقيب عن الذهب. هناك قصور كبير في تطبيق القانون نتج من 30 عاماً من ممارسات المحاباة والمجاملة التي نفذها النظام السابق على حساب المواطن وصحته".
يضيف: "الشركات الخاصة العاملة في مجال التنقيب عن الذهب تتنصل من المسؤولية المجتمعية، وتعمل بلا خوف أو رادع أخلاقي، وهي غير متحمسة لإعداد دراسات جدوى بيئية، كونها تهتم فقط بتحقيق الأرباح. أما الحكومة الحالية فلا تتخذ أي إجراءات رادعة لاستخدام المواد الكيميائية المحرّمة دولياً، والتي باتت تباع في الأسواق العامة بلا رقيب أو حسيب".  

صحة
التحديثات الحية

وانتقد الفيلابي عدم بذل منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال البيئة جهوداً كافية للحد من استخدام الزئبق والسيانيد، ولم تعّد دراسات دقيقة عن الأضرار، في وقت يجبر عجز الحكومة عن توفير مشاريع إنتاجية الشبان الذين تنتشر البطالة في صفوفهم على العمل في التنقيب العشوائي، كما أنها لم تبد أي اهتمام بالريف، ما أثرّ على الزراعة والرعي.