يواجه السوريون أزمة جديدة تتمثّل في انقطاع الكثير من الأدوية، في ظل عجز أصحاب معامل الأدوية عن تأمين تمويل استيراد المواد الأولية، وتوقف خطوط إنتاج العديد من الأصناف الدوائية في المعامل حالياً، الأمر الذي يخشى من انعكاساته الخطيرة.
تقول منال محمود (36 عاماً)، وهي ربة أسرة مكونة من أربعة أفراد، إن "مسألة القدرة على توفير الدواء أصبحت أهم من توفير المال لشرائه. حتى لو استطعنا دفع ثمن الدواء المرتفع، فلا نجده".
تضيف أن "تجربة صغيرة مررت بها يمكن أن تعطي فكرة عما أتحدث عنه. ابنتي الصغيرة تبلغ من العمر نحو 4 سنوات، وقد وصف لها الطبيب دواء، وأخبرني بأن البديل لن يعطي ذات النتائج. المشكلة أنني لم أجد في الصيدليات الدواء ولا البديل. كنا نعتمد سابقاً على لبنان لتأمين الأدوية الأجنبية أو المفقودة، لكن حتى في لبنان أصبح الوضع أسوأ من سورية، وباتوا يشترون الدواء من سورية. في النهاية، استطعت تأمين الدواء من خلال أحد الأقارب المقيمين في كردستان العراق، وبلغ ثمنه 35 ألف ليرة سورية (سعر صرف الدولار الأميركي الواحد نحو 3430 ليرة)".
من جهته، يقول مؤيد عثمان (42 عاماً)، وهو موظف في دمشق، لـ"العربي الجديد": "قلما نجد الدواء الذي نحتاجه في أول صيدلية ندخل إليها. أصبحت هناك صيدليات تحتكر الأدوية المقطوعة وتبيعها بأسعار مضاعفة، في مقابل أن نشتري كامل الوصفة منها، يكفي أن تقف 10 دقائق لدى أي صيدلية حتى تسمع أنه في كل وصفة دوائية هناك صنف أو أكثر مقطوع أو غير متوفر". يضيف أن "الأسعار وصلت إلى مبالغ خيالية، والمشكلة الأكبر تكمن في إيجاد أدوية الأمراض المزمنة مثل السكري والغدة والضغط".
من جهته، حذّر رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، رشيد الفيصل، من أن صعوبات تأمين المواد الأولية لمعامل الأدوية، بالإضافة إلى صعوبات اقتصادية أخرى تواجهها هذه المعامل، تتسبب في نقص من الممكن أن يؤدي إلى انقطاع في كثير من الأصناف الدوائية، في حال استمرت هذه الصعوبات التي يواجهها أصحاب المعامل في تأمين تمويل المواد الأولية، خصوصاً أن بعض خطوط الإنتاج في المعامل توقفت عن إنتاج أصناف من الأدوية نتيجة انتهاء المواد الأولية. وهذا في المستقبل سيكون له انعكاسات خطيرة".
وقال إن "القرار الصادر عن المصرف المركزي ورقمه 1070 الذي وضع جدولاً بالمواد التي يحق لشركات الصرافة والمصارف تمويل استيرادها، لم يشمل المواد الأولية الداخلة في صنع الأدوية، وبالتالي فإن شركات الصرافة لا تمول الصناعات الدوائية".
وفي ما يتعلق بالصعوبات الاقتصادية الأخرى التي يواجهها أصحاب المعامل، يلفت إلى موضوع الطاقة، قائلاً إن "المادة الأولية تتوفر في المعامل، لكن من الممكن أن يواجه صاحب المعمل مشاكل اقتصادية أخرى مثل عدم توافر الغاز بشكل كامل. وبالتالي، فإن عملية الإنتاج متكاملة ومترابطة".
ولدى سؤاله عن الطاقة البديلة، أشار إلى أنها "من الممكن أن تكون طاقة مساعدة، لكن هذا يحتاج إلى وقت كبير حتى تحل محل الطاقة الكهربائية"، مشيراً إلى أن هذا المشروع يحتاج إلى اهتمام كبير من الدولة، خصوصاً في موضوع الصناعة، لأن تطبيق هذا المشروع ليس بالسهل إطلاقاً، ولا سيما في المعامل الكبيرة.
بدوره، اعتبر عضو مجلس نقابة الصيادلة، المهيمن عليها من النظام، جهاد وضيحي، أن نقص بعض أصناف الأدوية المصنعة محلياً، عائد إلى تأخر وصول المواد الأولية لدى بعض المعامل وزيادة الطلب عليها في الوصفات الطبية، خصوصاً بعض أدوية المضادات الحيوية.
وأكد وضيحي أن هناك حالياً نقصاً في بعض الأصناف وليس في الزمر الدوائية، بمعنى أنه من الممكن أن يتوقف معمل عن الإنتاج بسبب تأخر وصول المادة الأولية، في حين هناك معامل أخرى تنتجه، وبالتالي لا يوجد انقطاع في الزمر الدوائية. وقال إنه لا يوجد انقطاع خطير في موضوع الأدوية، وإنما هو نقص جزئي من الممكن أن يحل خلال الأيام المقبلة، باعتبار أن المعامل تسعى جاهدة لسد هذا النقص في أقرب فرصة ممكنة.
ولفت عضو النقابة إلى أن موضوع تهريب الأدوية غير مقبول على الإطلاق، سواء من داخل سورية إلى خارجها أو بالعكس، لافتاً إلى أن أي صيدلاني من الممكن أن يقوم بهذا العمل فإنه ينظم الضبط اللازم بحقه، ثم إحالته إلى المجلس المسلكي.