كشفت مياه السيول التي شهدتها محافظة الجوف شمالي اليمن، أخيراً، عن ألغام في الطرق العامة ومناطق الرعي بالعديد من المديريات، والتي جرفتها السيول من جبهات القتال القريبة من المحافظة إلى السهول، لا سيما في مديرية "خب والشعف" ذات الامتداد الواسع في الشمال الشرقي، في تهديد خطير لحياة المدنيين وممتلكاتهم.
وأصبحت المحافظة عقب انقطاع الطرق في مأرب المجاورة بفعل الحرب، هي الممر الأقرب رغم وعورته لقاصدي العاصمة صنعاء من محافظتي مأرب وحضرموت، أو القادمين من السعودية والمسافرين إليها.
وقالت أم مازن، إنها سافرت في منتصف يوليو/ تموز الماضي، من مأرب عبر محافظة الجوف إلى صنعاء، وإن لغماً انفجر بسيارة كانت أمام سيارتهم مباشرة على الطريق الصحراوي، مشيرة إلى أن تلك السيارة تضررت بشكل كلي، كما خلّف الانفجار إصابتين بين الركاب.
وأضافت لـ"العربي الجديد": "واصلنا السير في ذات الطريق بحذر، ومررت ومعي أطفالي وبقية المسافرين بلحظات رعب، لكن لم يكن أمامنا سبيل بديل، فلا توجد طريق أخرى يمكن أن نسافر عبرها. السائق كان يتوقع وجود ألغام جرفتها السيول على الطريق، وكان يحذر السائقين الآخرين الأصغر سناً، ويقول: انتبهوا من مجاري المياه، وكنا لا نفهم ما الذي يعنيه، وفهمت ما كان يقصده بعد انفجار تلك السيارة".
والجوف محافظة صحراوية تطل عليها من جهتي الغرب والجنوب الغربي مرتفعات جبلية ملوثة بالألغام، وكانت خلال الأعوام من 2016 إلى 2020، مسرحاً لمعارك دامية بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف بقيادة السعودية، وبين جماعة الحوثيين.
وأخيراً جرفت السيول بعض الألغام عبر الوديان إلى طرقات المحافظة وصحاريها الشاسعة، والأمر متكرر في محافظة مأرب المجاورة، وعدد من المديريات في محافظات شبوة والحديدة وتعز وصعدة، والتي تلوثت المناطق المحيطة بها بألغام مختلفة الأشكال والأحجام خلال سنوات الحرب.
وقال الصحافي علي عويضة، لـ"العربي الجديد"، إن "الألغام التي جلبها السيل تنتشر في كل المناطق التي شهدت تدفقاً للسيول بمحافظة مأرب، بما فيها مناطق مخيمات النزوح، وكذلك رحبة والجوبة وحريب (جنوب)، وفي مديرية رغوان (شمال غرب)، وبعض هذه المناطق شهدت انفجار ألغام، ونجا شخصان من انفجار لغم بسيارتهما في منطقة وادي المسيل بمديرية الوادي (شرق) قبل أيام".
وأضاف عويضة: "جرفت السيول الألغام التي زرعت في مناطق ذَنَة والروضة جنوب غربي مأرب، لتنتشر في مساحات واسعة بالمنطقة، كما أن مديرية رغوان من أكثر المديريات تلوثاً بالألغام، نظراً لمساحتها، وكثرة مجاري السيول التي تصل إليها".
من جهته، قال مدير المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن "مسام"، أسامة القصيبي، إن المشروع تلقى بلاغات عن عشرات الألغام التي جرفتها السيول إلى مناطق متفرقة بمديرية رغوان، وبدأت حملة مسح ونزع لتلك الألغام بالمديرية، بالشراكة مع البرنامج الوطني اليمني للتعامل مع الألغام، والفرق الهندسية تمكنت خلال جولة استطلاعية أولى من العثور على عدد من الألغام والمتفجرات، كما تعاملت مع الأجسام الغريبة التي أبلغ مواطنون عن وجودها.
وعن أكثر المناطق تلوثاً، قال القصيبي لـ"العربي الجديد"، إنها "مناطق تعز، ثم الحديدة، ثم الجوف، ومأرب، وشبوة بالترتيب، لكن أكثر المناطق التي ظهرت فيها الألغام بعد السيول، كانت الجوف، ثم مأرب، ثم شبوة، فالحديدة، وفي المحافظة الأخيرة تمكنت فرق "مسام" من نزع عشرات الألغام بعد تلقيها بلاغات من مواطنين تفيد بأن السيول جرفتها إلى وادي ضمي، ومناطق ووديان مديريتي حيس، والخوخة، واللتين شهدتا زراعة كثيفة وعشوائية للألغام من قبل الحوثيين، والآن تظهرها السيول فوق سطح الأرض، مما يشكل تهديداً مباشراً على حياة المواطنين وممتلكاتهم".
وحول خطورة الوضع، أوضح القصيبي: "نحن أمام مشكلة كبيرة، فالألغام تصل إلى أماكن بعيدة عن مناطق الحروب، وعبر أشكال وأحجام مختلفة، وفي أحيان كثيرة لا يتنبّه المدنيون إليها، وهذا يشكل خطراً كبيراً على حياتهم وممتلكاتهم، وبعضها تصل إلى المزارع، وهذا تهديد خطير للزراعة".
من جهته، قال المدير التنفيذي للمرصد اليمني للألغام، فارس الحميري، لـ"العربي الجديد"، إنه "مع تحرك الألغام من مناطق التماس، أو المناطق الملوثة بها إلى مناطق كانت آمنة، أصبحت حياة المدنيين مهددة أكثر من أي وقت مضى، إضافة إلى توقف مساحات زراعية جديدة عن الإنتاج، والضغط الكبير على الفرق الهندسية التي تعمل في مجال التطهير بسبب اتساع رقعة المناطق الملوثة".
وأشار الحميري إلى أن "مناطق كانت خالية من الألغام، أو كانت الفرق الهندسية قد بذلت جهوداً كبيرة لتطهيرها، أصبحت حالياً ملوثة مجدداً بسبب ما جرفته السيول من ألغام، والمرصد يسجل سقوط ضحايا بشكل شبه يومي نتيجة انفجار الألغام، والتقديرات تشير إلى ارتفاع عدد الضحايا"، محذراً المواطنين من التعامل مع أي أجسام غريبة، وأنه على الجميع إبلاغ الجهات المعنية فور اكتشاف أي منها.
وطالب مدير المرصد اليمني للألغام جماعة الحوثي بتسليم خرائط الألغام، والتوقف الفوري عن زراعة المزيد منها، كما طالب الحكومة والجهات المانحة بدعم الفرق الهندسية العاملة في مجال التطهير لتأمين المناطق التي تلوثت بفعل جرف السيول للألغام.