يتعمد النظام السوري محاربة كل أشكال الاستقرار في منطقة الشمال السوري المكتظة بالمدنيين النازحين والمهجرين من كل المناطق والذين اختاروا النزوح إلى المنطقة بحثاً عن بعض الأمان والاستقرار بدلاً من البقاء تحت رحمة القبضة الأمنية لهذا النظام.
وفيما تلاحق قذائف المدفعية الثقيلة وصواريخ النظام سكان الشمال السوري، تقول النازحة مرام الشيخ علي (35 عاماً) التي تقيم في مدينة إدلب لـ"العربي الجديد": "أنا حائرة بين البقاء أو النزوح في حال استمر القصف أكثر وتصاعدت وتيرته ودرجات عنفه، خاصة أنني بت أخشى أن يخرج أبنائي من المنزل، أو أن أزاول عملي في محل بيع الألبسة النسائية وسط سوق إدلب الذي استهدفه القصف أخيراً. والحقيقة أنني لا أقوى على النزوح مجدداً بعدما عانيت كثيراً على صعيد السكن وتأمين فرصة عمل قبل أن أستقر في مدينة إدلب". تضيف: "لا شك في أن النزوح في هذا الوقت تحديداً سيكون مأساوياً، خاصة وسط الفقر والبرد وانعدام السبل والمكان الآمن، لذا أتمنى أن تهدأ الأمور ولا نضطر إلى تنفيذ رحلة نزوح جديدة".
وتقول منيرة بالوش، وهي إعلامية تقيم في إدلب، لـ"العربي الجديد": "الوضع غير مستقر، وهناك خوف وقلق لدى أهالي الشمال السوري. قصفت قوات النظام مدينة إدلب حين كنت أزور والدتي في المستشفى، وكان الوضع مرعباً للغاية؛ إذ عمّ الخوف المكان، في حين كان المرضى عاجزين عن التحرك، وبدأ الأطفال المرضى بالصراخ".
ويؤثر القصف الحالي في كل جوانب الحياة في منطقة الشمال السوري، وتقول بالوش: "لا يستطيع الناس وقف أعمالهم، لذا يرممون المحلات بعد القصف ويعودون، لكن الخوف يلاحقهم في ظل البرد والجوع والغلاء، وكل ذلك يؤثر في حياتهم وحالتهم النفسية، في حين أن التوقف عن الحياة صعب وغير ممكن. يحب الناس هنا الحياة، لكن النظام المجرم يقصف المناطق من دون رحمة، وقد توقفت الجامعات والمدارس، والوضع مأساوي".
ويرى غانم خليل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن النظام يخلق ويفرض دائماً حالة عدم الاستقرار في منطقة الشمال السوري لمنع الناس من التنفس وأخذ قسط من الراحة من القصف والخوف. وهو يقصف المدنيين في إدلب لتعطيل عجلة الحياة ومنع أي محاولة لتطوير الخدمات والعمران والعمل، ويقول: "لن نرضى أن يحقق النظام مراده، فنحن صامدون وراضون عن الحال، وسنبقى ما بقي الزيتون. يستهدف قصف النظام البنى التحتية والأسواق والمستشفيات والأفران والمدارس، وهو حاول أن يعطل أو يقتل أشكال الحياة، ويحدث حالة إحباط لدى الناس في المنطقة الخارجة عن سيطرته وإجرامه، والتي يرفض سكانها حكم الطغيان الذي يطبقه".
وفي وقت آثرت النازحة مريم الحمود (29 عاماً) التي تقيم في بلدة سرمين السكن مع أقربائها حتى إيجاد مأوى لها، باعتبار أن مخيمات الشمال السوري مكتظة، وأجور المنازل مرتفعة للغاية، ولا يمكن بأي حال البقاء مع عائلتها تحت القصف والخطر، ترفض منال الحسون (45 عاماً) التي تقيم في إدلب، الخروج من منزلها إلى مكان آخر رغم القصف الشديد، وتقول لـ"العربي الجديد": "أرجو أن تكون الأحوال الأمنية السيئة أزمة عابرة تنتهي قريباً، فلا طاقة لي على التشرد والنزوح في هذا الجو الشتوي وسط اشتداد البرد والصقيع. اعتدت الهجمات المتكررة لقوات النظام التي تواصل ترهيب المدنيين، وزرع الرعب في نفوس الأبرياء عبر استهدافها الأسواق والمراكز الحيوية".
وبات أسلوب ونهج النظام معروفاً لدى المدنيين الذين يسكنون في منطقة الشمال السوري، فهو يكرر استهداف المناطق والمدن بشكل دائم، خاصة بعد زوال التوتر لدى السكان وعودة الحياة إلى طبيعتها والحركة إلى الشوارع. ويعلّق الناشط الإعلامي أحمد رشيد على مواصلة النظام استهداف مدينة دارة عزة بالريف الغربي لمحافظة حلب بالقول لـ"العربي الجديد": "العملية التعليمية في المدينة مشلولة بسبب القصف والدمار، وفي اليوم الأول من العام الجديد تسبب قصف النظام في مقتل 4 مدنيين، وسقوط عدد من الجرحى. ومشهد الخوف هو السائد في المدينة".
وتؤكد الناشطة الإنسانية أميمة محمد، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "النظام السوري يتعمد قصف المدنيين في المناطق الآمنة وقتل الأطفال الأبرياء، وقد اعتدنا القصف لكنه يخلق فوضى في المنطقة وتوترا وخوفا من التجمعات لدى الأهالي. وفي ليلة رأس السنة قصف النظام معظم مناطق شمال غربي سورية".
ووثّق فريق "منسقو استجابة سورية" ارتكاب النظام السوري وحلفائه و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) 11 مجزرة في منطقة شمال غربي سورية العام الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 70 شخصاً وجرح 171 بينهم نساء وأطفال. وتحدث عن أن التصعيد العسكري لقوات النظام تسبب في نزوح أكثر من 112 ألف شخص، في حين تعرضت 93 منشأة لاستهداف مباشر، منها 20 مخيماً و40 منشأة تعليمية و18 منشأة صحية. وفي الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، استهدف قصف النظام السوري 6 مخيمات و5 منشآت صحية و18 مدرسة و11 منشأة خدماتية.