منذ نحو نصف قرن، لم يجر الصومال أي تعداد سكاني رسمي، نتيجة ضعف الحكومات المتعاقبة والمشاكل الأمنية. غير أن وزارة التخطيط أعلنت أخيرا عن إجراء أول إحصاء سكاني، يشمل إقليم "صومالي لاند" غير المعترف به دولياً.
وجرى أول تعداد سكاني رسمي في البلاد عام 1975، أحصي خلاله 4.2 ملايين نسمة، فيما أجري إحصاء سكاني ثان عام 1984، لكن هذه المرة لم تنشر نتائجه لأسباب سياسية. ومنذ ذلك الوقت، تعتمد البلاد على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن الهيئات الأممية ومراكز الأبحاث غير رسمية التي تعنى بهذا الشأن، والتي تقدر عدد السكان حاليا بأكثر من 16 مليون نسمة.
وبحسب مكتب الإحصاء الصومالي، فإن الهدف من التعداد السكاني الحالي إنهاء حقبة التقديرات التي عاشتها البلاد طوال السنوات الماضية، والوصول إلى أرقام حديثة وموثوقة تساهم في الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
التعداد السكاني سيشمل جميع الولايات الفيدرالية (الأقاليم) بما فيها صومالي لاند، بميزانية تقدر بـ150 مليون دولار
وعلى الرغم من إعلان الحكومة أن الإحصاء السكاني الحديث مرتبط بأهداف تنموية لا أكثر، إلا أن ثمة مخاوف برزت على السطح فورا حول ما يشكله هذا الإحصاء من تداعيات سياسية لنظام تقاسم السلطة في البلاد، المبني على قاعدة 4.5، أي أربعة قبائل كبرى وأخرى صغيرة.
التعداد والتنمية
الحكومة أوضحت أن الإحصاء السكاني الذي ستجريه وزارة التخطيط والاستثمار يحوي خططا تنموية ويساعدها على وضع خطط مستقبلية تؤمّن رفاهية الشعب، بعد سنوات من أزمات إنسانية وفقر ومجاعة.
يقول شرماركي محمد، مدير عام مكتب الإحصاء في وزارة التخطيط والاستثمار، إن الأسباب وراء إطلاق مشروع التعداد السكاني في البلاد تعود إلى تراكم الفشل، وإهدار خطط تنموية حكومية ومن المجتمع الدولي، طوال السنوات الماضية، ما يؤثر سلبا على ازدهار البلاد.
وبيّن أن التعداد السكاني سيشمل جميع الولايات الفيدرالية (الأقاليم) بما فيها صومالي لاند، بميزانية تقدّر بـ150 مليون دولار، حيث يدفع صندوق الأمم المتحدة للسكان النسبة الأكبر من المبلغ، فيما ستتكفل الحكومة بدفع نسبة، لم تعلن قدرها، من ميزانية الإحصاء.
التعداد السكاني سينتهي أواخر 2024
وقال رئيس مكتب تعداد السكان والمنازل التابع لمكتب الإحصاء، عبدي علي، إن مشروع الإحصاء السكاني، الذي ستشارك فيه جميع الولايات الفيدرالية، سيستمر لنحو عامين، ليبدأ من منتصف العام الجاري حتى أواخر 2024، موضحا أنه قبل إجراء العدّ سيتم إجراء برامج رسم الخرائط باستخدام صور الأرقام الصناعية في البلدات والقرى والمناطق الريفية في البلاد طيلة 8 أشهر، تمهيدا لإطلاق أعمال الإحصاء.
وتابع: "الإحصاء السكاني سيشارك فيه نحو 30 ألف جامع بيانات، سيتلقون دورات تدريبية قبل بدء العدّ، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، الذي من المتوقع انتهاؤه في غضون أسبوعين إلى شهر، وسيطرق باب كل منزل في البلاد".
من جهته، أعرب صندوق الأمم المتحدة للسكان، خلال إطلاق مشروع التعداد السكاني، عن دعمه للحكومة الصومالية في هذا المشروع.
وقال ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في الصومال، نيي أوجولابي، إن "الفِرق التي تجري التعداد مكونة من صندوق الأمم المتحدة ومكتب الإحصاء الصومالي، حيث يشمل الديمغرافيين والإحصائيين ومحللي نظم المعلومات الجغرافية والاتصالات، إلى جانب متخصصي تكنولوجيا الاتصالات".
يواجه مشروع التعداد السكاني تحديات جمّة، أبرزها التحدي الأمني، الذي ما يزال حجر عثرة أمام أي مشروع حكومي، سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا، نظرا للمناطق الشاسعة التي تخضع لسيطرة "حركة الشباب" الإرهابية.
يقول النائب في لجنة الأمن بالبرلمان طاهر أمين، لـ"الأناضول"، إن "التحدي الأمني قد يشكل عقبة أمام الإحصاء السكاني، نظرا للمناطق الريفية الشاسعة التي تخضع لسيطرة حركة الشباب"، والتي تواجه أيضا ضغطا عسكريا حكوميا في الآونة الأخيرة، مضيفا "إطلاق المرحلة الثانية من الحرب ضد الشباب في ولايتي جنوب غرب الصومال وجوبا لاند المحليتين، سيساهم في إيصال جامعي البيانات إلى المناطق الريفية".
(الأناضول)