أثار تفكك علاقة بين شاب وفتاة صينيين أرادا الإقبال على الزواج بسبب عدم الاتفاق على قيمة المهر البالغ 300 ألف يوان (45 ألف دولار) جدلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي في البلاد.
وكانت أسرة الفتاة المتحدرة من مقاطعة قانسو (شمال) طلبت المبلغ المالي الكبير، بحجة أنها "أجمل شابة في الحي، وتملك وظيفة مستقرة كمعلمة في مدرسة إعدادية". كما بررت القرار بأن ابنة الجيران حصلت على مبلغ المهر ذاته لها قبل أشهر، لذا "لا نرغب في الظهور بمظهر أقل".
واللافت أن العريس وافق على دفع المبلغ، لكنه أكد أن أسرته لا تستطيع أن تسدد المبلغ إلا على أقساط، لأن والديه غارقان في ديون، وهو ما لم تقبله عائلة الفتاة فانهارت المفاوضات وانفصل الخطيبان.
وناشد الشاب، بعدما لجأ إلى منصة "ويبو" المعادل الصيني لموقع "تويتر"، الحكومة التدخل لتحديد السياسات والإجراءات الخاصة بمراسم الزواج منعاً لتكرار المأساة نفسها مع شبان آخرين، في وقت أثارت القصة مخاوف لدى شبان كثيرين كانوا يفكرون في الزواج. وكتب أحدهم أن "أفضل ما يجب فعله هو تجنب الزواج بالكامل"، وآخر: "حين أملك هذا المبلغ من المال (المهر الذي طلبته أم العروس) سأستثمره في تنفيذ مشروع صغير قد يحقق مكاسب لي بدلاً من هدره في تلبية رغبات ونزعات اجتماعية غير عادلة ولا منطق لها".
وأعقب ذلك إعلان الحكومة أن قيمة المهر لا ينبغي أن تتجاوز 80 ألف يوان (11.842 دولاراً)، مع ضرورة خفض تكاليف الزواج إلى الحد الأدنى، وقالت: "لا يزال الطريق طويلاً قبل التخلي عن التقليد الاجتماعي القديم السيئ المتعلق بالمهر"، علماً أن باحثين يعزون ارتفاع المهر في الصين إلى اختلال في التوازن بين عدد الذكور والإناث، وواقع أن ارتفاع مستوى التحصيل العلمي للمرأة يجعلها أكثر انتقائية لخيارات شريكها المستقبلي".
يقول الشاب المقبل على الزواج تسان خي البالغ 26 من العمر ويعمل في شركة لإنتاج قطع السيارات في مدينة كوانجو، لـ"العربي الجديد": "أبحث منذ عامين عن شريكة حياة لبناء أسرة سعيدة، لكنني أصطدم في كل مرة بعقبة تجاوز قيمة المهر قدرتي على الدفع. تطلب غالبية عائلات مبالغ كبيرة جداً تصل إلى أكثر من 300 ألف يوان (44 ألف دولار)، وتبرر ذلك برغبتها في تأمين مستقبل بناتها، لكن معظم الشبان يحتاجون في مرحلة التأسيس إلى شريكة تتحمل التكاليف، ولا تكون عبئاً لتكريس مبدأ الشراكة. ومسألة المهر هي مجرد إجراء شكلي ما دام يوجد اتفاق على المبدأ الأساس المتمثل في الرغبة في الارتباط".
من جهتها، تخبر فانغ تشين، وهي امرأة متزوجة منذ ثلاث سنوات، "العربي الجديد" أنها واجهت مع زوجها نفس المشكلة حين قررا الزواج، إذ طلبت أسرتي مبلغاً كبيراً من المال كاد أن يتسبب في عدم إتمام العملية، لكنني اتفقت مع زوجي حينها على إعادة نسبة 70 في المائة من المهر له لأنني أعرف ظروفه، وأثق في حبه لي. وبالفعل نجحنا في التحايل على أهلي. وبعد الزواج أعدنا المبلغ الذي استدانه زوجي من أحد أصدقائه لإتمام الزواج. تتابع: "لولا هذه الحيلة لما توجت علاقتنا الوطيدة بالزواج. لدينا الآن طفل وننتظر آخر، ونعيش حياة سعيدة تحت سقف واحد".
ورداً على سؤال عن كيفية تحوّل المهر من تقليد اجتماعي قديم يلحظ تقديم هدايا عينية إلى وسيلة لابتزاز الشباب، تقول الباحثة في مركز الضمان للتوفيق الاجتماعي لينغ تشي ون لـ"العربي الجديد": "المهر وفق التقاليد الصينية قيمة مادية يقدمها العريس لعائلة زوجته كضمان بأنه سيتزوجها ويعاملها بطريقة جيدة. وهو كان يقتصر على هدايا رمزية متعارف عليها في هذه المناسبات، لكن مع مرور الوقت، وتحديداً مع بداية الألفية الثانية، تراجعت الهدايا لحساب المهر الذي أصبح قيمة نقدية يحددها أهل العروس، وشرطاً لقبول الزواج، ومعياراً للمفاضلة بين العرسان الذين يتقدمون لطلب يد الفتاة".
وتوضح أن "ارتفاع قيمة المهر مرده رغبة أهل العروس في مجاراة تقاليد اجتماعية فرضتها أنماط الحياة الحديثة ومتطلباتها الاقتصادية، حيث يتم إجراء مقارنة بين عروس وأخرى، فإذا حصلت الفتاة على مهر أقل من أقرانها، يعتقد الناس بأن عيباً ما يشوبها، لذا يُعتبر التراجع عن سقف محدد من المهر إجحافاً في حق الفتاة قد يؤذي سمعتها".
تتابع: "تتعلق عوامل أخرى بحركة السكان بين الريف والمدن. فالشابات في المدن يسعين عادة إلى تحقيق ذاتهن باعتبارهن تلقين تعليماً عالياً، وأصبح في مقدورهن كسب مزيد من المال من دون الحاجة إلى الاعتماد على رجل، ما يعزز الرغبة لديهن في الانتقاء حين يفكرن في الزواج، لذا يضعن شروطاً صعبة على الشباب، في مقدمها سقف مرتفع للمهر. وهكذا يتحول الهدف الأساس من المهر المتمثل في محاولة مساعدة العروسين في بدء حياتهما معاً، ما يستدعي تفهم الأهل، ومد يد العون، إلى انجرار وراء شكليات ومظاهر اجتماعية تقوم على نفاق وإسراف لإرضاء الآخرين".