الصين: خريجون يبيعون خبراتهم على الأرصفة

04 يوليو 2023
ندرة الوظائف تدفع الصينيين إلى وسائل بديلة للكسب (تشين تشوهونغ/Getty)
+ الخط -

انتشرت في الصين خلال الأشهر الأخيرة، وخصوصاً في المدن الكبرى، ظاهرة "شوارع المعرفة"، حيث يلجأ الخريجون إلى المارة لبيع خبراتهم الأكاديمية، في ظل تراجع فرص العمل بعد التخرج. وتشمل الخدمات تقديم الاستشارات القانونية والسياسية، وصولاً إلى استشارات الصحة العقلية.
واستقطبت فكرة بيع المعرفة عشرات آلاف الخريجين، نظراً لسهولة الوصول إلى المستهلك، والعائد المادي المجدي، وبات الناس في المدن الكبرى يبحثون عن هؤلاء لأنهم يقدمون خدمات سريعة مقارنة بالتوجه إلى المؤسسات المختصة، والوقوف في طوابير انتظار طويلة.
جذبت الظاهرة اهتمام الجمهور لأول مرة في شهر مايو/ أيار الماضي، عندما شارك خريج علوم سياسية من كلية لندن للاقتصاد، فيديو على حسابه بموقع "ويبو"، المعادل الصيني لموقع "تويتر"، وهو يقدم خدمات استشارية للمارة في أحد الشوارع، ومن ضمن الموضوعات التي كان يناقشها ملف الغزو الروسي لأوكرانيا، وصعود الشعبوية في العالم.
تخرج لونغ وان تشين حديثاً من جامعة بكين، وهو يحمل شهادة البكالوريوس في الحقوق، ويستعد للالتحاق ببرنامج الدراسات العليا، ويقول لـ "العربي الجديد": "لم أتمكن من الدخول إلى سوق العمل بسبب المنافسة الشديدة، فقررت استكمال الدراسة للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه حتى، لكن ذلك يتطلب تكاليف باهظة، فكان لا بد من البحث عن وسيلة لجني المال. في تلك الأثناء، سمعت عن شارع المعرفة، وهو عبارة عن زقاق في منطقة تشاويانغ في العاصمة، فذهبت إلى هناك، وتفاجأت بعدد الخريجين الذين يمارسون عملهم على الرصيف، إذ لا يستدعي الأمر سوى طاولة صغيرة في مساحة لا تتجاوز المتر الواحد. منذ ذلك الحين صرت أذهب ثلاثة أيام في الأسبوع، وأقدم استشارات قانونية مقابل أجر بسيط، وفي المحصلة أجني نحو 500 دولار في الأسبوع، وأشعر بمتعة كبيرة حين أقدم للناس حلولاً ونصائح تفيدهم في حياتهم، وفي الوقت نفسه تدرّ عليّ عائداً مادياً يساعدني على استكمال تعليمي".
بدورها، تقول شياو تشي، التي تخرجت العام الماضي من معهد الفنون الجميلة بمدينة شينزن، إنها تتردد في كل نهاية أسبوع على أحد شوارع المدينة لرسم المارة بشكل كاريكاتوري خلال مدة لا تتجاوز العشرين دقيقة، وتضيف لـ"العربي الجديد"، أن "الأمر أشبه بألعاب التسلية، والكثير من الشباب، خصوصاً من العشاق، يقبلون على التجربة لأنها ليست مكلفة وسريعة، إذ لا يتجاوز الأمر سوى دقائق للحصول على رسمة يمكن أن تظل تذكاراً للحظات جميلة، وإلى جانب الرسم، أقدم خدمات الكتابة اليدوية، ورسومات لشخصيات تاريخية وسياسية معروفة، وبعض اللوحات الخاصة بالأدب والتراث. أنا سعيدة بعملي، لكونه يوفر لي دخلاً جيداً من دون تكبد عناء استئجار مرسم أو مكتب خاص، كذلك فإنني أرسم البسمة على وجوه المارة، وأتلقى التشجيع والتحفيز من أصدقائي وأفراد أسرتي".

شوارع المعرفة مستمدة من ثقافة الباعة المتجولين (كيفين فراير/Getty)
شوارع المعرفة مستمدة من ثقافة الباعة المتجولين (كيفين فراير/Getty)

في تعليقها على انتشار ظاهرة شوارع المعرفة في الصين، تقول الباحثة الاجتماعية يو تشون، لـ "العربي الجديد"، إنها "ظاهرة صحية من شأنها تخفيف الضغوط عن سوق العمل عبر إتاحة نافذة للخريجين الذين يسعون لاستقلال مالي أكبر عبر وظائف بدوام جزئي. شوارع المعرفة امتداد طبيعي لثقافة الباعة الجائلين في البلاد، وتجمع الخريجين في مكان واحد يكسر حاجز الخجل لديهم".
وتلفت إلى أنّ "من المفيد للطلاب خوض هذه التجربة للاحتكاك المباشر مع الناس، واكتساب خبرات في التعامل مع شرائح اجتماعية مختلفة قبل الدخول إلى سوق العمل المنظم، فضلاً عن كونها ميداناً للخريجين الذين لم يوفقوا في العثور على وظيفة، ووسيلة سريعة لتحقيق عوائد مادية من دون أي تكاليف أو التزامات ضريبية".
من جانبه، يرى أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة قوانغ دونغ، دا شوان، أن "ظاهرة شوارع المعرفة تعبّر عن أزمة حقيقية يشهدها سوق العمل بسبب عدم القدرة على استيعاب الخريجين، إذ يتخرج سنوياً قرابة 10 ملايين طالب. هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق مؤسسات القطاع الخاص، وكذلك مؤسسات الدولة، ويجب إطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة قادرة على خلق فرص عمل، وبدرجة أقل ينبغي للطلاب أن يدرسوا خياراتهم بعناية، وألا ينجروا نحو الطرق الشعبوية في تفريغ طاقاتهم".

ويتابع شوان: "يجب عدم الاستعجال في إيجاد وظيفة، كذلك إن التنافسية الموجودة في سوق العمل تحتم على الخريجين أن يكونوا على قدر التحدي من خلال الارتقاء بمستواهم التعليمي، وعدم القبول بمكتب صغير لتقديم الخدمات والاستشارات على الرصيف".
وظهرت شوارع المعرفة في الصين في منتصف عام 2020، حين كانت البلاد تخضع لعمليات إغلاق متقطعة، وكان الدخول إلى مؤسسات القطاع الخاص والدوائر الرسمية يتطلب إجراءات صارمة بموجب سياسة "صفر كوفيد" الحكومية لمكافحة وباء كورونا، الأمر الذي سهل على الخريجين تسويق معارفهم. لكن سرعان ما أغلقت الشوارع بعد تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي في الأماكن العامة، ولم تزدهر مجدداً إلا بعد أن تخلت الصين عن سياساتها الصحية الصارمة في نهاية العام الماضي.

المساهمون