قررت لجنة الصحة الوطنية في الصين العمل على تشريع تكنولوجيا مساعدة الإنجاب، بعدما كشف مسح أجراه المركز الوطني للصحة الإنجابية ارتفاع معدل العقم في البلاد من 12 في المائة عام 2007 إلى 19 في المائة عام 2021، ما يعني أنّ واحداً من كلّ 5.9 أزواج يواجه صعوبات في إنجاب طفل. وأوضحت اللجنة إنها ستوصي بإضفاء شرعية على تجميد البويضات أو التبرع بها للبنوك الحكومية، علماً أن القانون سمح فقط للنساء المتزوجات اللواتي يعانين من حالات طبية معينة، مثل العقم أو الورم، بتجميد بويضاتهن، أما تأجير الأرحام فغير قانوني.
لكنّ إضفاء شرعية على التبرع ببويضات يثير مخاوف من تغذية تجارة السوق السوداء، واستغلال الشابات المراهقات، وهو ما يحصل حتى الآن، إذ يمكن العثور على ملصقات وإعلانات غير شرعية تحث طالبات في الجامعات وقاصرات على بيع بويضاتهن.
وكما هي الحال في البلدان ذات التنمية الاقتصادية السريعة، تقبل النساء الصينيات على الزواج والإنجاب في سن متأخرة. ويكشف تقرير أعده مركز "دونغ شين" للأبحاث والعلوم أن امرأة واحدة من كل سبع أنجبت طفلاً بعدما تجاوزت سن الـ 35، وأن معدلات العقم زادت.
وكانت اللجنة الوطنية للصحة الإنجابية حددت عدد الذين يعانون من العقم في البلاد بحوالى 55 مليوناً عام 2020، وتوقعت أن يتجاوز العدد مائة مليون بحلول عام 2030، لذا يتجه عدد كبير من المتزوجين إلى الإخصاب الصناعي. وتشير تقارير محلية إلى أنّ القيمة السوقية لصناعات تقنيات مساعدة الإنجاب في الصين ناهزت 321 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية. لكنّ هذا السوق الكبير وتوفر التكنولوجيا اللازمة، لا يلغيان واقع أنّ الوصول إليه لا يزال محدوداً قانونياً.
وفي فبراير/شباط الماضي، أعلنت اللجنة الوطنية للصحة أنّ المخاطر الطبية والمسائل الأخلاقية منعت النساء العازبات من تجميد بويضاتهن لغرض تأخير الولادة. وأشارت إلى ضرورة اتباع القواعد الأخلاقية الصارمة لمنع تسويق هذه الممارسة بعد تشريعها.
آثار أخلاقية
ورداً على سؤال وجّهته "العربي الجديد" عن كيفية مساهمة تشريع الإخصاب الصناعي في حلّ أزمة المواليد ومشاكل العقم في الصين، يوضح خبير الصحة الإنجابية لو نان جيانغ أن سماح السلطات الصحية بتجميد البويضات بهدف تأمين الخصوبة قد يوسع القدرة الإنجابية للمرأة، لكن تأثيره في رفع معدلات المواليد الجدد قد يستغرق وقتاً طويلاً.
ويقول: "لا شك في أنّ إمكان الوصول إلى تقنيات الإنجاب المساعدة، بما في ذلك التبرع ببويضات، ليس مجرد مسألة قانونية، فالآثار الأخلاقية خطيرة، خصوصاً أنّ إنجاب الأطفال خارج إطار الزواج لا يزال مرفوضاً في الصين، بسبب التقاليد والأعراف المجتمعية".
ويلفت إلى أن الدول التي تشرّع التبرع ببويضات أو حيوانات منوية تطبّق قوانين واضحة لتنظيم العملية، وتحدّ من عدد الأطفال الذين قد يولدون من أبوين بيولوجيين، علماً أنه إذا أساء شخص استخدام القوانين عبر التبرع بشكل غير قانوني بكمية كبيرة من الحيوانات المنوية، سيؤدي ذلك إلى ولادة عدة أطفال لأب واحد قد تتسبب في اختلاط الأنساب في الأجيال القادمة.
صيانة الحقوق
من جهتها، ترى الناشطة الحقوقية لي سونغ، أن أي تشريع يستهدف تخفيف قوانين التبرع ببويضات أو حيوانات منوية قد يتسبب في عواقب غير محسوبة إذا لم يكن منظماً ومعداً مسبقاً لصيانة حقوق الذكر والأنثى. وتقول لـ"العربي الجديد": "ما يثير القلق أن القرار المرتقب لن يصدر بناء على مراجعة لسياسات مجحفة في حق المرأة بالإنجاب عن طريق الإخصاب الصناعي، بل يأتي في إطار خطة حكومية لرفع عدد المواليد بعد تراجع معدلات الخصوبة".
تضيف: "يجب أن تحمي الحكومة الحقوق الإنجابية لجميع النساء، وبينها حق تجميد بويضاتهن، بغضّ النظر عن الأزمة الديموغرافية والدوافع السياسية، علماً أنّ قرارات المنع السابقة لم تثن المرأة عن البحث عن بدائل حين احتاجت إليها، ولجأت صينيات مقتدرات كثيرات إلى دول أخرى حين كانت البلاد تمنع الإخصاب الصناعي، ونجحن في الإنجاب باستخدام وسائل مساعدة".
وفي عام 2019، رفعت كاتبة صينية تدعى شو، دعوى قضائية ضد مستشفى لأمراض النساء والتوليد في بكين رفضت تجميد بويضاتها بحجة أنها لم تقدم شهادة زواج قانونية. واعتبرت القضية أول معركة قانونية في الصين لفتاة عزباء ناضلت من أجل حقها في الإنجاب، لكن المحاكم لا تزال تنظر في القضية وسط تعتيم إعلامي كامل.