في الصين التي يصل عدد سكانها إلى 1.4 مليار نسمة، يستحضر مجرد التفكير في الإصابة بمرض صور المستشفيات المزدحمة، وقوائم الانتظار الطويلة، بالإضافة إلى البيروقراطية، وخصوصاً بالنسبة لكبار السن.
تمتد هذه المحنة لتشمل كل شرائح المجتمع، ما يجعل كثيرين يشعرون بالقلق. لكن هذه المخاوف دفعت بعض الشبان إلى ابتكار طريقة مساعدة في مقابل رسوم رمزية، تعمل على تحويل زيارات المستشفى من مسألة مزعجة إلى تجربة سلسة وبسيطة. ويستدعي ذلك استئجار شبان للبقاء في الطوابير نيابة عن المرضى أو مرافقيهم، ويتكفل هؤلاء بإجراء المهمات للمرضى في المستشفيات، مثل تسجيل البيانات وتصديق المعاملات، وغيرها من الإجراءات اللازمة في المؤسسات الطبية.
تصل أجرة الفرد الواحد إلى 200 يوان (30 دولاراً)، مقابل نصف يوم، أو 300 يوان (45 دولاراً)، مقابل يوم كامل. وفي بعض الأحيان، يتنقل هؤلاء بين أربعة أو خمسة مستشفيات بحسب ضغط العمل.
ويعتبر خبراء صينيون أن مثل هذه الخدمات ليست مجرد وسيلة لمساعدة المرضى على تجاوز عقبات الكشف الطبي، ولكنها خدمة لا غنى عنها تقريباً في مجتمع يتقدم في العمر سريعاً في ظل ارتفاع نسبة الشيخوخة وتراجع معدلات المواليد الجدد.
يقول مو جيانغ، الذي يعاني والده من مشاكل في العمود الفقري، لـ"العربي الجديد": "لطالما كنت أشعر بالخوف من اللحظة التي قد نضطر فيها لأخد والدي إلى المستشفى، وخصوصاً أنه يشكو كثيراً من آلام لها علاقة بأمراض الشيخوخة، بالإضافة إلى مشكلته الأساسية وهي التواء في فقرات الظهر. وحين جاء ذلك اليوم، كان الأمر عسيراً عليه وعلينا، إذ ينبغي قبل رؤية الطبيب أن تجرى بعض الإجراءات الروتينية التي تتطلب التنقل بين قسم وآخر، مثل التسجيل والخضوع لبعض صور الأشعة، وقياس ضغط الدم، ومعرقة نسبة السكر والكثير من الفحوصات. وفي كل مرة، كان علينا أن نقف في طابور طويل من كثرة المرضى والمراجعين. لقد كانت معاناة الانتظار أصعب من المرض نفسه، بل تكاد تكون سبباً في تدهور حالة المريض الصحية قبل رؤية الطبيب".
يتابع جيانغ: "حين طُلب منا إجراء صورة أشعة، كان علينا الانتظار لمدة ساعة كاملة في طابور طويل لحجز وقت محدد خلال اليوم، وبعد الحصول على رقم المعاملة، انتظرنا ساعتين إلى أن حان موعد دخولنا إلى قسم الأشعة. خلال تلك المدة، سقط أبي مرتين فاضطررنا إلى تمديده على سرير متحرك"، ويوضح أنه "بعد تلك التجربة المريرة، نصحني بعض الأصدقاء بالاستعانة بمرافقين للمريض في مقابل رسوم رمزية. وبالفعل، بحثت عن هؤلاء عبر تطبيقات إلكترونية. وفي مرة لاحقة، اعتمدت على أحدهم بصورة كلية لمرافقة أبي منذ وصوله إلى المستشفى حتى إنهاء كافة الإجراءات".
وعن الخدمات التي يقدمها هؤلاء الشبان، يوضح أنها تشمل كل متطلبات الدخول إلى المستشفى، وإجراء الكشوفات اللازمة، مثل: التصوير بالرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية وغيرها من الفحوصات الطبية التي تتطلب الانتظار والمتابعة".
تعليقاً على هذه الوظيفة المستحدثة، يقول الطبيب وانغ يون، الذي يعمل في مستشفى بكين التخصصي، لـ"العربي الجديد"، إن "المشكلة لا علاقة لها بضغط المراجعين على الخدمات الطبية، وبيروقراطية العمل المؤسساتي، بقدر ما هي مرتبطة بالفجوة الكبيرة التي خلقها التقدم التكنولوجي بين القطاع الطبي والمراجعين من كبار السن ممن ليست لديهم أدنى فكرة عن كيفية التعامل مع وسائل التواصل الحديثة، ويوضح أن معظم المستشفيات الصينية لديها منصات إلكترونية للحجز والاستفسار والمراجعة، وتهدف مثل هذه المنصات إلى إلغاء الحاجة للانتظار في قاعات الاستقبال وتخفيف العبء عن الكوادر الطبية في التعامل مع آلاف المراجعين يومياً.
في هذا السياق، يقول إن المشكلة تكمن في أن كبار السن لا يجيدون استخدام التكنولوجيا، ما يضطرهم للذهاب إلى المستشفى لإتمام الإجراءات بأنفسهم. ويفاجأون في بعض المراكز الطبية بإلغاء الحجز الشخصي أو الآني. وفي هذه الحالة، عليهم إظهار بطاقات التأمين الطبي للتسجيل في قسم الحالات الخاصة، ومعظم هذه الحالات تكون من المسنين الذين تجاوزت أعمارهم 65 عاماً، ما يعني أن فكرة ربط المراجعين بهواتفهم المحمولة لتخفيف العبء لن تنجح مع هذه الشريحة من المجتمع، وبالتالي ستكون هناك المزيد من طوابير الانتظار.
ويشير يون إلى أن الشبان الذين تقطعت بهم السبل، وجدوا ضالتهم في هذه الأزمة، فاستحدثوا ما يعرف باسم وظيفة مرافق مريض، إذ إن غالبية المرضى كبار السن هم ممن غادر أبناؤهم من الريف للعمل في المدن الكبرى، ولا تتوفر لديهم سبل الرعاية، وبالتالي في حال مرض أحدهم يضطر إلى الذهاب بنفسه إلى المستشفى، وهناك يبدو كشخص أميّ لا يدرك شيئاً ولا يعرف ماذا يفعل. لذلك، تكون مثل هذه الوظيفة مهمة وفعالة. فمن ناحية توفر مصدر دخل للشباب العاطلين من العمل، ومن ناحية أخرى تقدم خدمات أساسية للمحتاجين.
ويقول إن "هناك مأساة حقيقية في قصص المراجعين من كبار السن، فمنهم من يخفي مرضه عن أبنائه كي لا يضطروا لقطع أعمالهم والعودة للاطمئنان عليه، ومنهم من يكتم حزنه في صدره لأنه وجد نفسه وحيداً حين اعتلت صحته، في حين أنه أفنى حياته من أجل تعليم أبنائه وتوفير حياة كريمة لهم".
وكان مسؤولون في القطاع الطبي قد حذروا من سماسرة يتربصون بالمرضى كبار السن ويبتزونهم بمبالغ مالية ضخمة لقاء تقديم خدمات لهم، مستغلين جهلهم وحاجتهم الماسة للعلاج والمتابعة وعدم وجود مرافق معهم من أهلهم وذويهم. وطالب هؤلاء بتقنين مثل هذه الأعمال والخدمات لتكون تحت إشراف وزارة الصحة بالتنسيق مع المستشفيات الحكومية في البلاد.