عاشت شبه جزيرة سيناء، شرقي مصر، خلال الليالي الماضية، أجواء شديدة البرودة، نتيجة العاصفة القطبية التي تضرب المنطقة منذ يوم الإثنين الماضي، وكان لها تأثير سلبي مباشر على آلاف النازحين في محافظة شمال سيناء. فقد أُجبر هؤلاء على ترك ديارهم إثر العمليات العسكرية للجيش المصري وهجمات تنظيم ولاية سيناء، الموالي لتنظيم داعش الإرهابي، على مدار السنوات السبع الماضية، خصوصاً سكّان مدينتي رفح والشيخ زويد والقرى المحيطة بهما، وكذلك أطراف مدينة العريش وقرى بئر العبد، التي سيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي عدة أشهر. وحالياً يمنع الجيش عودة الكثيرين من هؤلاء النازحين، بحجة استمرار العمليات ضدّ التنظيم الإرهابي، أو باستحالة العودة مهما تبدّلت الظروف، كسكّان مدينة رفح التي باتت منطقة عازلة بين قطاع غزة ومصر.
وغصّت مواقع التواصل الاجتماعي بحديث النازحين أو المتابعين للشأن الإنساني في سيناء، ونشطاء المحافظة، حول معاناة النازحين في ظلّ ظروف الشتاء، والبرد القارس الذي تعيشه سيناء منذ أيام. في الوقت ذاته، لم تتحرك أي جهة حكومية أو أهلية لمتابعة شؤون النازحين وتلبية احتياجاتهم، ما تركهم فريسة لهذه الأجواء التي تخيّم على المحافظة منذ منتصف الأسبوع. وأُطلقت دعوات لضرورة تفقّد أحوال النازحين، خصوصاً أولئك الذين لم يحصلوا على تعويضات مالية من الحكومة المصرية نتيجة تدمير منازلهم على يد الجيش المصري، أو الذين لم تكفِ التعويضات لبناء منازل لهم، تحتمل الأمطار الشديدة والرياح العاتية التي تضرب سيناء كل عام، ما اضطرهم لبناء خيم وتجمّعات من ألواح الزينقو والأخشاب لستر عوائلهم، لكنها لا تكفي لمجابهة برودة فصل الشتاء ولا حرارة الصيف.
وكانت بيانات نماذج الطقس العالمية قد أشارت إلى أنّ منطقة الشرق الأوسط على موعد مع عاصفة ثلجية قطبية غير مسبوقة، وهذا ما حصل فعلاً، حيث تشكّل منخفض "عميق جدا" من أصل قطبي حول جزيرة قبرص، من ثم اندفعت كتلة قطبية هوائية باردة من جميع الطبقات باتجاه شرق البحر الأبيض المتوسط، تساقطت إثرها الثلوج في مختلف المناطق الجبلية في بلاد الشام والعراق ومصر وبعض المرتفعات شمالي السعودية وبعض الأجزاء من ليبيا وبعض مناطق أفريقيا. وهذه الموجة هي أبرد موجة شهدتها المنطقة منذ 6 سنوات، وبحسب "المركز العربي للمناخ"، فإنّ الرياح القطبية "شديدة البرودة" اندفعت بدءاً من يوم الإثنين، صوب البحر الأبيض المتوسط، فيما ازداد تدفق الرياح القطبية مع نهاية الأسبوع الجاري، قادمة من القطب الشمالي، لتغطي أجزاء من قارة أوروبا وأفريقيا وغربي قارة أسيا، بحالة هي الأندر من نوعها. كما تُعتبر، بحسب المركز أيضاً، هذه الموجة الباردة "تاريخية" لأنها شاملة لمساحات جغرافية ضخمة، حيث من المتوقع استمرارها لنهاية شهر فبراير/ شباط.
وفي تفاصيل الموقف، قال إبراهيم المنيعي، أحد مشايخ سيناء لـ"العربي الجديد"، إنّ "ظروف الحياة للمواطن السيناوي في فصل الشتاء عموماً سيئة للغاية، نظراً إلى برودة الأجواء في كافة مناطق شبه جزيرة سيناء، إلا أنّ أهل سيناء كانوا يتغلّبون على الشتاء بعاداتهم القديمة في إشعال النار، وتجهيز قطع الجلد التي تحوي المياه الساخنة بداخلها، وتمكين منازلهم بقطع البلاستيك وجريد النخيل، إلى أن جاء الصراع المسلّح الذي لا يزال قائماً منذ عام 2013، ليدمّر مئات المنازل في قرى رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد، وبعض مناطق وسط سيناء. الأمر الذي أدى لتشتت المواطنين، وزيادة معاناتهم كل شتاء، دون إعانة من الحكومة المصرية أو إدارة المحافظة في مواجهة العواصف والمنخفضات الجوية، بالتزامن مع تأخير صرف تعويضات المنازل والمزارع، أو انخفاض قيمتها بحيث لا تكفي لبناء منزل يوازي ذلك البيت الذي كان يجمعهم قبل أن تدمره آلة الحرب".
وأضاف المنيعي أنّ المواطن في سيناء كان ينتظر فصل الشتاء على أحرّ من الجمر، ليعيش أجواءه الجميلة في تجمّع الرجال في الدواوين والمنازل، كما يسعى فيه المواطنون في سيناء إلى التزوّد من مياه الأمطار، لتعبئة برك المياه التي أعدت من أجل ذلك، ويروون منها زراعتهم، وحيواناتهم طيلة السنة. بينما الآن، بات السكّان يترقّبون الشتاء بخوف لما سيحمله من عواصف وأمطار، قد تخترق الخيم والأماكن التي يعيشون بها، وهي المصنوعة من الخشب والزينقو والكراتين وغصون الأشجار، في حين تفرق الأهالي عن بعضهم البعض، في ظلّ توزّعهم الجغرافي في مناطق مختلفة، بعد أن كانوا جيراناً قبل النزوح وهدم المنازل على مدار السنوات الماضية. وأشار إلى أنّ حياة أغلب النازحين لا تصلح للحياة الآدمية، وتحتاج إلى إعادة النظر في التعامل معهم من قبل الدولة المصرية، ومنحهم المزيد من التعويضات، وتحسين ظروف معيشتهم، وتوفير السكن اللائق بهم، كما كان حالهم في ديارهم قبل النزوح.