تحيط أغصان الأشجار اليابسة ذات النتوءات المدببة كالأشواك بكومتَين من التراب فوق جثّتَين نحيلتَين تعودان إلى الطفلتَين التوأمَين إيبلا وعبديا، حفيدتَي حليمة حسن عبد الله. هما توفيتا بعد يوم واحد من ولادتهما، فالجوع أصاب والدتهما بالهزال ووضعتهما قبل شهر من موعد ولادتهما، علماً أنّ ثمانية أسابيع فقط كانت قد انقضت منذ وصل العائلة المنهكة إلى مخيم النازحين بمدينة دولو الواقعة جنوب غربي الصومال.
تخبر حليمة من مخيّم كاكساري الذي أُنشئ في يناير/ كانون الثاني الماضي ويؤوي اليوم نحو 13 ألف شخص، أنّ ابنتها "كانت تعاني من سوء تغذية، وتوفيت طفلتاها بسبب الجوع". وحالة عائلة حليمة واحدة من حالات تتشابه وتتكرّر بين أكثر من ستة ملايين صومالي يحتاجون إلى مساعدات من أجل البقاء على قيد الحياة، فالأمطار لم تتساقط على مدى أربعة مواسم متتالية، الأمر الذي أدّى إلى أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاماً تسبّبت في ذبول الفاصولياء والذرة فيما نفقت الماعز والحمير وانتشرت جيفها فوق الأرض حيث يندر العشب.
وفي الوقت الذي انصرف فيه الاهتمام العالمي بعيداً عن الصومال إلى أوكرانيا، تسعى وكالات الإغاثة والأمم المتحدة إلى تسليط الضوء على كارثة في طور التشكّل، يحذّر كثيرون من أنّها سوف تكون مشابهة لمجاعة عام 2011 التي حصدت أرواح أكثر من ربع مليون شخص، معظمهم من الأطفال دون الخامسة.
🚨In #Somalia, hunger has DOUBLED since the start of the year, as prolonged drought and rising costs push millions to the brink, including 81,000 people who face famine conditions right now.
— World Food Programme (@WFP) May 19, 2022
ولا تتوفّر في مخيّم كاكساري سيولة نقدية تكفي أكثر من نصف سكانه تقريباً، وعائلة حليمة ليست من الأسر المحظوظة. وتقرّ المرأة الصومالية بأنّها لم ترَ أمراً كهذا منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، عندما تحوّلت المجاعة إلى عامل من عوامل إطلاق عملية تدخّل عسكري أميركي كارثي في الصومال، فكانت معركة مقديشو (1993) التي عُرفت بـ"إسقاط الصقر الأسود". وتؤكد حليمة أنّ عائلتها لم تضطر قطّ إلى مغادرة أرضها قبل الآن.
في بعض الأيام، تستطيع حليمة توفير القوت لأفراد عائلتها البالغ عددهم 13 فرداً، عندما تجد فرصة عمل في غسل الملابس في المدينة، إذ تجني نحو 1.50 دولار. ويتيح ذلك لكلّ فرد في أفراد الأسرة الحصول على حفنة واحدة من عصيدة الذرة. لكنّ هذا ليس كافياً كذلك. فزوجة ابنها تحتاج إلى دواء لعلاج حمّى التيفود يكلّفها عشرة أمثال أجرها اليومي، علماً أنّ المرأة الشابة بلغت مرحلة صارت فيها أوهن من أن تنطق اسمها.
يُعَدّ التدخل المبكر إجراءً حاسماً لدرء مجاعة تلوح في الأفق في ستّ مناطق بالصومال، يعيش فيها نحو 15 مليون نسمة في منطقة شديدة الحساسية والتأثّر بعوامل التغيّر المناخي. وقد أتى توفير الطعام بسرعة عاملاً لتخفيف عواقب موجة جفاف في عام 2017، كانت أسوأ من الجفاف مسبّب مجاعة عام 2011 التي أودت بحياة أقلّ من ألف شخص فقط. لكنّ السرعة تحتاج إلى المال، أمّا المال المتاح فقليل.
وفي حين أكّدت نائبة مدير برنامج الأغذية العالمي لشرق أفريقيا رقية يعقوب أنّه "نحتاج إلى السيولة لتجنّب مخاطر المجاعة"، لم يتوفّر إلا 15 في المائة فقط من التمويل الذي تحتاجه خطة الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الطارئة، علماً أنّ 2.8 مليون شخص حصلوا على مساعدات حتى الآن. وفي الإمكان مساعدة 3.1 ملايين آخرين في حال توفّر مزيد من المال. أمّا الباقون فالوصول إليهم صعب، إذ إنّهم يقيمون في مناطق نائية وجافة تخضع لسيطرة تمرّد إسلامي.
وفي مخيم كاكساري، يتجمّع وافدون جدد حول الخيام، فيخبرهم موظفو الإغاثة بعدم توفّر مساعدات في الوقت الحالي. وينتهي الأمر بعائلات كثيرة إلى التسوّل للحصول على أقلّ قدر ممكن من الطعام أو على مبلغ زهيد من المال من سكان المخيّم الأفضل حالاً، هؤلاء الذين وصلوا في وقت مبكر فتمكّنوا من تسجيل أسمائهم والحصول على مساعدات.
وفي معظم الأحيان، يصيب الجوع الأطفال بالضعف قبل أن يصيروا صيداً سهلاً للأمراض. وقبل شهر، على سبيل المثال، فقدت عائشة علي عثمان طفلَيها، أحدهما في الثالثة من عمره والآخر في الرابعة بعد إصابتهما بمرض الحصبة. وفيما تحضن المرأة الشابة طفلتها الرضيعة وهي أصغر أولادها، تعدّ الأيام والليالي في انتظار حصول طفلتها على اللقاح المضاد للحصبة. وتقول عائشة بصوت حزين مخنوق: "أشعر بألم شديد لأنّني لا أستطيع حتى إرضاعها... عندما يكون أطفالي جائعين، أطلب بعض الماء المحلّى بالسكر من الجيران. وأحياناً، نستلقي معاً على الأرض ونبكي".
(رويترز)