تتعاظم فصول المعاناة أمام الفلسطينيين في قطاع غزة يوما بعد الآخر مُنذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الحالي، والذي يدخل أسبوعه الرابع، ليُصيب نواحي الحياة الإنسانية، والمعيشية كافة.
ومُنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي بدأ استهداف البيوت، والمنشآت، والعمارات، والأبراج المدنية والسكنية، مُخلفا عشرات آلاف الوحدات السكنية المُدمرة كليا، وجزئيا بليغا غير قابل للسكن، ومئات آلاف النازحين في مراكز اللجوء، وبيوت الأقارب، والجيران، والأصدقاء، دون القدرة على توفير طعامهم وشرابهم.
ولم يكتف الاحتلال الإسرائيلي في حربه التي أعلنها على القطاع المحاصر والمنهك أساسا بالأزمات منذ سبعة عشر عاما بالقصف المُباشر، بل استهدف كذلك كافة نواحي الحياة المُباشرة، وفي مقدمتها الطعام والماء ومشتقات البترول والتيار الكهربائي وشبكات الانترنت والكهرباء.
عدوان شامل على غزة
ويعمل الاحتلال على شَن حربه على المدنيين في قطاع غزة من كافة النواحي والاتجاهات، سواء بالقتل السريع والمباشر والجَماعي عبر حرب الإبادة والقصف من الطائرات الحربية جوا، والزوارق بحرا، والدبابات برا، أو بالقتل البطيء والمؤلم، عبر اغلاق المعابر، ومنع دخول مقومات الحياة كافة، إلى جانب تدمير البنية التحتية، وقدرتهم حتى على الحركة.
ولم يتمكن الفلسطيني ابراهيم اسعيّد من مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين من الاتصال بسيارات الدفاع المدني، والاسعاف لإجلاء عدد من المُصابين والشهداء الذين سقطوا في منطقته جراء استهداف إسرائيلي مُباشر لهم فجر السبت الماضي (اليوم 22 للعدوان)، بفعل انقطاع خطوط الاتصال، لمدة يومين متواصلين، في معاناة مُركبة زادت من حجم مأساة الفلسطينيين خلال العدوان الإسرائيلي.
ويقول اسعيّد لـ "العربي الجديد" إن الأزمات تتفاقم يوما بعد الآخر، فإلى جانب القصف المباشر، والمجازر الجماعية المرتكبة بحق المدنيين العُزل، فإن الاحتلال الإسرائيلي بات يقطع عنهم الطعام، والماء، والوقود، ووصل في بعض الأحيان لقطع شبكات الانترنت، والاتصالات، بشكل كامل، بينما تُعاني تلك الشبكات من ضعف شديد باقي الوقت، ما يزيد من حالة الخِناق على المدنيين من كافة النواحي.
ويوضح اسعيّد أن العقاب الجماعي الذي تُمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في كافة محافظات قطاع غزة يهدف إلى قتلهم بشكل مؤلم، دون القدرة حتى على الاستغاثة أو طلب النجدة، ويقول "لا نتمكن على أرض الواقع من توفير لقمة العيش، أو شربة الماء بفعل المنع الإسرائيلي، فيما تقتلنا الطائرات بشكل مباشر من السماء".
استهداف مصادر الطعام والشراب
في الأثناء، يلفت رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف إلى أن العدوان الإسرائيلي، فاق كافة الحروب السابقة في شراسته، واستهدافه للمواطنين ومُنشآتهم ومصادر طعامهم وشرابهم، في الوقت الذي يمنع فيه دخول أي من المواد الأساسية اللازمة لإبقائهم على قيد الحياة.
ويُبين معروف لـ "العربي الجديد" أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب المجازر بحق المدنيين، والعائلات الآمنة، وفي الوقت ذاته يمنع دخول الشاحنات التي تحمل الأدوية، والمواد الغذائية، والماء، والوقود، لافتًا إلى أن الشاحنات القليلة التي دخلت خلال الأيام الماضية لا يُمكنها أن تحل أي من الآزمات الثقيلة التي خلفها العدوان.
ويُشدد معروف على أن العدوان الإسرائيلي، والذي تشنه آلة الحرب من البر، والبحر والجو، يتزامن مع عدوان آخر يتمثل في التعطيش والتجويع، داعيًا الى الفتح الفوري والكامل لمعبر رفح، لدخول شاحنات المُساعدات، والغذاء، والوقود، والماء، ويقدر عددها ينحو 500 شاحنة يوميا.
وعلى صعيد الطعام، فقد أغلق الاحتلال ومنذ اليوم الأول للعدوان كافة المعابر المؤدية للقطاع، ومنع دخول المواد الغذائية، وشحنات المُساعدات، وباقي المواد الأساسية، إذ كانت تدخل يوميا نحو 500 شاحنة، فيما منع دخول أية شاحنة في أول 15 يوما من الحرب، بينما سمح بدخول نحو 84 شاحنة على مدار الأسبوع الثالث للعدوان، وهي شاحنات لا تكفي حتى لمركز إيواء واحد ولمدة 24 ساعة كما أفاد المكتب الإعلامي الحكومي.
غزة في ظلام دامس
ويُشكل انقطاع التيار الكهربائي الكامل على قطاع غزة أزمة إنسانية فادحة، إذ كانت الخطوط الإسرائيلية التي تم قطعها منذ اليوم الأول للعدوان تُغذي أكثر من 120 ميجا وات، فبما كانت توفر محطة الكهرباء الوحيدة 65 ميجا وات، إلا أنها توقفت كذلك عن العمل بفعل نفاذ الوقود، كذلك تدمير شبكات وخطوط وعواميد الكهرباء، ما ساهم بغرق قطاع غزة بالظلام الدامس، وزيادة الرعب الليلي للمواطنين، من القصف، والذي يتركز في ساعات المساء، استكمالًا للحرب النفسية، المُتزامنة مع باقي فصول العدوان.
ولم يتوقف تأثير منع دخول الوقود على تشغيل محطة الكهرباء فقط، وإنما تعدى ذلك ليصيب كافة الخدمات الطبية، والعلاجية، وغُرف الإنعاش، وحضانات الأطفال والتي تعتمد إما على الكهرباء التي كانت تصل يوميا بنحو 8 ساعات وصل مقابل 8 ساعات فصل، أو على تشغيل المولدات والتي تحتاج إلى وقود، علاوة على شل حركة سيارات الإسعاف، والدفاع المدني، وقدرتها على الوصول لنقل الشهداء والجرحى، أو حتى إخراجهم من تحت ركام بيوتهم التي كانت آمنة.
وفي تكملة لحلقات الاستهداف الإسرائيلي للمواطنين، بشكل مُباشر وغير مُباشر، زادت فصول المعاناة بقطع امدادات الماء عن المدنيين من الجانب الإسرائيلي، أو حتى قصف مصادرها، علاوة على منع دخول المواد الغذائية، وقصف المراكز التجارية، المخازن التي تضم المواد التموينية اللازمة لسد حاجة المواطنين، والنازحين في مراكز الإيواء.
وإلى جانب استهداف مصادر المواد التموينية، لا تتوقف الطائرات الحربية الإسرائيلية عن قصف المخابز، والمطاعم، سواء في مدينة غزة أو شمال القطاع، أو حتى في المناطق الوسطى. الجنوبية، التي طلبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من المواطنين اللجوء إليها على اعتبار أنها "مناطق آمنة" إذ تشهد طوابير طويلة من النازحين الجوعى للحصول على الماء، أو الغذاء، أو المُستلزمات الضرورية، فيما يتم قصفهم بشكل جماعي داخل المولات والأسواق المُكتظة.