العراق: إبادة الكلاب السائبة بوحشية حل غير مكتمل

26 ابريل 2023
عشرات من الإصابات بداء الكلب سنوياً في العراق (أيمن حنا/ فرانس برس)
+ الخط -

تسجل الدوائر الصحية في المدن العراقية عشرات حالات العض، بسبب هجمات الكلاب السائبة على المدنيين والأطفال والنساء، لا سيما في المناسبات التي يخرج فيها المواطنين من المنازل. وأعلنت دائرة الصحة في محافظة كركوك إصابة عدد من الشبان بحالات عض من قبل كلاب سائبة هاجمتهم صباح اليوم الثاني من أيام عيد الفطر، و5 أطفال آخرين في البصرة شُخصت حالة أحدهم بأنها خطرة.
ويهدد انتشار الكلاب السائبة بمشكلات صحية وبيئية واجتماعية ونفسية كثيرة، لأن بعضها مصاب بداء الكلب، وهو مرض خطير ينتقل إلى الإنسان من طريق الجهاز العصبي، وقد يؤدي إلى موت سريع.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويوضح مسؤول في وزارة الصحة العراقية لـ"العربي الجديد" أن "الكلاب السائبة، وتحديداً تلك المريضة والمسعورة، تمثل تحدياً صحياً خطيراً بالنسبة إلى الوزارة، ولا سيما أن العلاجات الخاصة بالأشخاص الذين يتعرضون للعض تتوافر بكميات قليلة، وتكاد تكون غير موجودة في بعض المحافظات، فيما تسجل السلطات الصحية المحلية في المدن عشرات من الحالات سنوياً، وتصل إلى مئات في بغداد. وخلال العام الماضي سُجلت أكثر من 900 إصابة بعضات من كلاب مسعورة".
يضيف المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه أن "الوزارة حاولت أكثر من مرة تقليل هذه الظاهرة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المتخصصة في الملف، لكن هذا الأمر لم يستمر بسبب قلة المخصصات المالية للوزارة، وعدم جدية الوزارة نفسها في التعاون مع المنظمات. وينفذ أهالٍ حملات للتخلص من الكلاب السائبة عبر إطلاق النار عليها، لكن هذه الحملة تؤثر في الوضع البيئي، بحسب بيانات الأنظمة الصحية، وبالتالي لا بدّ من حلول أفضل".
ولا تملك السلطات العراقية حلولاً مستدامة لمواجهة الظاهرة المتفشية، وتنفذ في شكل بدائي، يصفه البعض بأنها "وحشي"، حملات دائمة لقتل كلاب الشوارع من خلال فرق للشرطة والجيش التي يطلق عناصرها الرصاص عليها من بنادق كلاشنكوف، أو يضعون السم داخل أطعمة يلقونها في مناطق وجودها، ثم يجمعون جثث الكلاب النافقة من أجل دفنها خارج المدن.
ورغم انتشار هذه الظاهرة في عموم العراق، إلا أن أكثر حالاتها في العاصمة بغداد التي لا تخلو منطقة فيها من وجود كلاب سائبة تهدد سلامة المواطنين، وذلك بسبب وجود مناطق صناعية داخل المناطق السكنية، كذلك فإن كثرة النفايات والمناطق العشوائية والدور الضعيف لدوائر الصحة لا تعزز مواجهة الظاهرة.
ويؤكد المسؤول في أمانة العاصمة بغداد، مالك الفتلاوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الأمانة وضعت بالتنسيق مع وزارة البيئة آليات وخططاً لمكافحة الكلاب السائبة، تشمل نشر فرق جوالة من الصيادين في الليل والنهار لتتبع أماكنها وتصفيتها. وهذه الحملات انطلقت بعد تلقي شكاوى عدة من الأهالي في شأن انتشار الكلاب المسعورة، وتزايد عدد ضحاياها، وخصوصاً الأطفال".
يتابع: "تعتبر بغداد أكثر تأثراً بالظاهرة مقارنة ببقية المحافظات، خصوصاً أن مناطق في أطرافها تحتوي على مكبات نفايات. وخلال السنوات الماضية سُجِّلَت مئات من حالات الإصابة بداء الكلب، لكن أكثر المخاطر التي تواجه المتأثرين بالظاهرة توجد في البلدات والأحياء النائية، ما يزيد خطر تعرض الناس لهذا المرض، ولا سيما في ظل قلة اللقاحات المتوافرة لدى المؤسسات الصحية بسبب تكلفتها الباهظة".

تتوفر كميات قليلة من العلاجات لمن يتعرضون لعضات كلاب (صافين حامد/ فرانس برس)
تتوفر كميات قليلة من العلاجات لمن يتعرضون لعضات كلاب (صافين حامد/ فرانس برس)

ويشير الفتلاوي إلى أنه "لا يمكن معرفة عدد الكلاب السائبة والخطرة في عموم مناطق العراق، فيما يتحدث البعض عن وجود أكثر من 200 ألف كلب في بغداد فقط، علماً أن تقارير تشير إلى التخلص من أقل من 500 كلب في كل حملة. وفي كل الأحوال، لا بدّ من وضع خطة جديدة لاحتواء هذه الكلاب وعدم إبادتها، لأن قتلها في الشوارع ثم دفنها في مناطق أخرى يؤدي إلى مشاكل بيئية وتلوّث وينشر جراثيم".
وداء الكلب مرض فيروسي يصيب الحيوانات، وينتقل بينهم، ومن الكلاب تحديداً إلى الإنسان من طريق العضّ. ويصيب الجهاز العصبي المركزي، ما يؤدي إلى إصابة الدماغ بالمرض ثم الوفاة، ومن أعراضه المبكرة الصداع والحمى، وتهيّج لا إرادي واكتئاب، ثم ينتاب المصاب في النهاية نوبات جنون وخمول، ما قد يدخله في غيبوبة.
وترى الناشطة العراقية المتخصصة في مجال حماية الحيوان، مرام عادل، أن "هناك حاجة فعلية لتأسيس منظمات حكومية متخصصة في احتواء الكلاب السائبة والمريضة ومعالجتها، بدلاً من قتلها عشوائياً في الشوارع". وتقول لـ"العربي الجديد" إن "دور الناشطين في مجال حماية الحيوان يقتصر في الفترة الحالية على التوجه إلى الإعلام من أجل كشف الحالات والمساهمة في تسليط الضوء عليها، في محاولة لاحتواء مخاطرها، تمهيداً للضغط على السلطات المعنية من أجل التدخل لتقليل الظاهرة بطرق يمكن اعتبار أنها قد تشكل حلولاً".

وتلفت عادل إلى أن "حملات الإبادة التي ينفذها أفراد أو موظفون يرتبطون بمؤسسات صحية لا تنهي الظاهرة، طالما تغيب تدابير رعاية الحيوانات، ويستمر واقع تكاثرها في البلاد من دون أي اهتمام لتدارك المخاطر المحدقة. أما إبادة الحيوانات، فتؤدي إلى اختلال في بيئة العراق، وتسبب مشاكل صحية أكثر خطورة، بينها انتشار الجراثيم".

المساهمون