تشهد مراكز التقديم على الدراسة الخارجية التابعة لوزارة التربية والتعليم العالي العراقية توافداً لأعدادٍ كبيرة، وذلك من أجل تقديم طلباتهم لامتحانات شهادة الثانوية العامة (طلبات حرة من خارج الانتظام المدرسي) والتي تؤهلهم للالتحاق بالدراسة الجامعية في حال نجاحهم، في ظلّ ازدياد عدد الجامعات الأهلية والتسهيلات الجديدة المُقدّمة مع إجراءات جائحة فيروس كورونا.
وتُظهر الأرقام أنّ غالبية المتقدمين تتراوح أعمارهم بين 25 و40 عاماً. وبحسب تقارير آخر إحصاءات وزارة التربية العراقية، فقد تقدّم أكثر من 100 ألف تلميذ للامتحان، ودفع كلّ منهم 50 ألف دينار (نحو 35 دولاراً) رسوم تسجيل. وبحسب ضوابط وشروط وزارة التربية والتعليم العالي، يحق للتلميذ المشاركة في الامتحان الخارجي، بغض النظر عن العمر، على أن يقوم المتقدم إلى الامتحان بدفع مبلغ 50 ألف دينار غير قابل للردّ.
ويصف مسؤول في وزارة التربية عدد المتقدمين بـ"غير المسبوق"، ويقول لـ"العربي الجديد": "غالبية المتقدمين هم ممن لم تسمح لهم الظروف السابقة بإكمال دراستهم، بسبب العنف في السنوات الماضية والمعارك والفتن التي شهدتها البلاد أو الأوضاع الاقتصادية". ويؤكد أنّ الوزارة لا توفر لهم كتباً مثل باقي التلاميذ المنتظمين، بل عليهم الاهتمام بنفسهم للحصول على الكتب مقابل مبالغ مادية، وليس مجاناً مثل البقية.
إلى ذلك، يقول أحد المعلّمين، محمد محسن: "الكثير من التلاميذ العراقيين تركوا تعليمهم بسبب ظروف عدّة، منها الحروب والنزوح والحالة الاقتصادية الصعبة، فضلاً عن التنقل المستمر لبعض العائلات. كما أن العائلات ذات الدخل المحدود تدفع بأبنائها إلى العمل ولا تكترث بمصيرهم في حال تركوا الدراسة. الأوضاع السيئة، تجعل التلاميذ يفضلون البحث عن وسيلة عمل تُمكّنهم من الحصول على المال، تاركين دراستهم، لأنّها ليست ضمن أولوياتهم، ما يؤدي إلى ارتفاع أعداد التلاميذ الذين تركوا مقاعد الدراسة، ويتضاعف العدد في كلّ عام، كما تتضاعف بالمقابل أعداد المتقدمين للامتحانات الخارجية".
ويشير مدير أحد معاهد التدريس الخصوصي في بغداد جابر جابر علي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ بعض التلاميذ لم يحالفهم الحظ في اجتياز المرحلة الثانوية، ومنهم من يبلغ من العمر 30 عاماً أو أكثر، وبعضهم لم يحقق المعدل المرجو، وقد وجدوا هذا العام فرصة لتخطي المرحلة الثانوية، خصوصاً مع أعداد الناجحين والمتفوقين والمعدلات العالية التي تحققت في عام 2020. يتابع: "هذا الأمر دفع بالعديد من التلاميذ إلى التسجيل لأداء الامتحان الخارجي والحصول على شهادة الثانوية العامة في ظلّ استمرار جائحة كورونا وسهولة الإجراءات المتبعة من أجل تخفيف الأعباء على التلميذ".
من جهته، يقول عمر محمود (24 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعد تشجيعٍ من الأهل والأصدقاء، قررت إكمال دراستي الثانوية التي اضطررت لتركها عقب نزوحنا عام 2014. النزوح أثّر على نفسيتي بشكلٍ كبير. تركت أصدقائي ومدرستي، ولم يكن في منطقة النزوح مدارس قريبة. لا أنكر أنّ فرصة إتمام تعليمي الثانوي أُتيحت لي أكثر من مرة، لكنني لم أكن بحالة نفسية تسمح لي بمواصلة دراستي. أما اليوم، وبعد أن تخرّج أصدقائي وأقاربي من الجامعات، شعرت بأنّ عليّ مواصلة دراستي والالتحاق بالجامعة، خصوصاً وأنّ التدريبات التي أتلقاها في مجال الإعلام تحتاج إلَى حامل شهادة جامعية أو على الأقل ثانوية، حتى وإن كنت أمتلك خبرات أخرى، كالترجمة، وتقنيات البرمجة، والتصاميم الإلكترونية، وغيرها. فكلّها لا تغني عن امتلاك شهادة جامعية".
أما يسرى سليم (33 عاماً)، فتقول لـ"العربي الجديد": "مضى على تخرّجي من الدراسة المتوسطة أعوامٌ عديدة، مررت خلالها بظروف صعبة وقاسية، بين فرح وحزن وفقر وحياة لا تطاق، لم تمكنّي من مواصلة دراستي. وكفتاة، أُجبرت على ترك الدراسة، هذه كانت قوانين العائلة، حتى إنني تزوّجت وانفصلت. وبعد انفصالي، قررت إتمام دراستي الثانوية لأتمكن من بعدها من الدخول إلى الجامعة وتحقيق حلمي بدخول كلية القانون أو كلية الآداب. ولبلوغ ما كنت أتمناه، ولم أستطع تحقيقه من قبل، عليّ أولاً اجتياز المرحلة الثانوية، وهذا ما عملت عليه كخطوة أولى".
توضح المشرفة التربوية، سولاف عباس، لـ"العربي الجديد"، خطورة عدم وضع آلية تعليمية صحيحة، وقوانين صارمة، تعطي كلّ تلميذ حقه. وتلفت إلى أنّ "النجاح لا يجب أن يكون على أساس الغش. نشهد خلال هذه السنوات أنّ أغلب التلاميذ لم ينجحوا في تعبهم ودراستهم، وأنّ هناك مدارس تتلقى أوامر عليا، أو يتم الضغط على الهيئات التعليمية لإنجاح التلاميذ، وإن لم يكونوا يستحقون النجاح. حتى في امتحانات البكالوريا، يلجأ تلاميذ إلى الغشّ، ما يعدّ أمراً خطيراً". تتابع: "نحن كهيئات تعليمية ومشرفين، نتمنى أن يلتحق الجميع بالمدارس والجامعات، لكنّ في المقابل، لا نتمنى أن يحصل تلاميذ على نتائج لا يستحقونها، لأنها تؤثر سلباً على التلميذ المثابر الذي يدرس ليلاً نهاراً ليصل إلى الجامعة بمعدّل مرتفع".
وبحسب إحصاءات سابقة، لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، فإن 54 في المائة من أبناء الأُسر الفقيرة لا يكملون المرحلة الدراسية الثانوية، ونصف عدد المدارس الحكومية في العراق بحاجة إلى تأهيل وترميم، فيما بلغ متوسط حجم الصف المدرسي في معظم المدارس الحكومية 60 تلميذاً لكلّ معلّم واحد.
وبحسب آخر إحصاءات "الجهاز المركزي للإحصاء"، فإنّ عدد تلاميذ الثانوية لعام 2019 بلغ 3.140.110، أما عدد الذين تركوا الدراسة فبلغ 72.658. كذلك بلغ عدد المدارس في العراق للعام ذاته 19.621 لكلّ المراحل. فيما تؤكد وزارة التربية حاجة البلاد إلى 20 ألف مدرسة في كافة أنحاء العراق لاستيعاب أعداد التلاميذ.