العراق: اعتداءات على المعلمين

14 مارس 2022
تعامل سيئ لتلاميذ وذويهم مع معلمين (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

تتناقل وسائل الإعلام في العراق تقارير كثيرة عن تعرض معلمي المدارس لاعتداءات من التلاميذ بسبب رسوبهم، أو تلقيهم عقوبات إدارية، أو منعهم من الغش في الامتحانات، وحتى بسبب استيائهم من التعليم، ما يؤكد عدم إظهارهم أي احترام وتقدير للمعلمين. ويشارك ذوو التلاميذ في هذه الاعتداءات.
المستغرب أنّ التعليم في العراق كان حتى وقت قريب يُعرف بتعامل المعلمين الصارم والقاسي مع التلاميذ، وصولاً إلى حد مقارنته بالضوابط العسكرية التي يخضع إليها أي تلميذ يظهر أدنى تقصير. وكان المعلمون يحملون العصا باستمرار، بحسب ما يقول المعلم في مدرسة ابتدائية جنوبي العاصمة بغداد حسين العقابي.
يضيف العقابي الذي استهل مشواره في مهنة التعليم بعدما تخرج من الجامعة قبل 20 عاماً لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع إحصاء عقوبات الضرب التي نلتها خلال فترات دراستي في المراحل الابتدائية والثانوية، رغم أنها لم تكن ترتبط بأخطاء فادحة أو عادات سيئة بل بمخالفات صغيرة بينها عدم الإجابة عن سؤال في شكل جيد، أو التأخر دقائق عن الحصة، أو نشوب شجار بسيط مع زميل. أما المعلمون فلم يتعرضوا حينها لأي تهديد أو اعتداء".
ويتابع: "اليوم يختلف الوضع كلياً، إذ يتعرض معلمون أصدقائي للإهانة والضرب والتهديد من تلاميذ وذويهم، بعدما طبقوا عقوبات اعتيادية على التلاميذ بسبب ارتكابهم مخالفات تستحق ذلك".

لتجنب "ما لا تحمد عقباه"
ويدأب معلمون على نشر مقاطع فيديو تؤكد تعرضهم لاعتداءات داخل المدرسة أو خارجها. ويؤكد قسم كبير منهم أنهم لا يستطيعون أحياناً رد اعتبارهم لأن المعتدين يحتمون بجهات مسلحة أو عشائر، وأنهم بالتالي "في موقف ضعف" يجعلهم يختارون أسلوب الهدوء والابتعاد عن الانفعال في التعامل مع التلاميذ، أو إنهاء أي مشكلة تحدث مع التلاميذ عبر اللجوء الى العشائر.
ويخبر المعلم خالد العزاوي "العربي الجديد" أنه نصح زملاءه بالابتعاد عن التشنج في التعامل مع التلاميذ "لتجنب حصول ما لا تحمد عقباه، فالعام الماضي هدد مسلح زميلاً طرد ابنه من الفصل بعدما اكتشف أنه يغش في الامتحان، فاضطر لاحقاً إلى منح التلميذ درجة النجاح".
ويؤكد أن عملية التعليم تشهد تدهوراً كبيراً في العراق، "لكنه قد يكون واقعاً مؤقتاً يعكس الأوضاع غير المستقرة السائدة منذ سنوات طويلة، والتي أثرت على كل القطاعات وسط الانتشار الكبير للسلاح بين أفراد المجتمع، وحماية فصائل مرتكبي الأخطاء والتجاوزات ضد الآخرين، وأيضاً وسط تنامي ظاهرة الاستقواء بالعشائر التي باتت تفرض بدورها قوتها في محيطها".
وتسبب ضعف الأمن بعد غزو العراق عام 2003 في تسليح العشائر أفرادها وتشكيلها قوى للدفاع عنها وعن المنتمين إليها، لكن كُثراً يؤكدون أن هذه القوى القبلية تمادت في استخدام القوة في غير موضعها، وباتت تهدد السلم المجتمعي.
من هنا، ترى المعلمة سرى أحمد في حديثها لـ"العربي الجديد" أن "الدولة يجب أن تلعب دوراً كبيراً في تصحيح عملية التعليم التي تشهد تراجعاً كبيراً". وتشرح أن "الكوادر التعليمية تتخوف من تداعيات التعامل مع التلاميذ، وأن تثير التقييمات التي يعطيها المعلمون لبعض التلاميذ غير الملتزمين بواجباتهم المدرسية، حتى لو كانت تستند إلى معطيات حقيقية وواضحة، حنقهم أو حنق أهاليهم، فيتعرضون لاعتداءات". 

قد يتواصل معلمون مع العشائر لمعالجة مشاكل مع طلاب (زيد العبيدي/ فرانس برس)
قد يتواصل معلمون مع العشائر لمعالجة مشاكل مع تلاميذ (زيد العبيدي/ فرانس برس)

قانون وأخطاء
واللافت أن القانون العراقي يهتم بوضع حدّ لهذه الحالات، إذ يسمح للمعلمين وموظفي الكوادر التعليمية الذين يواجهون اعتداءات من تلاميذ أو ذويهم باللجوء إلى القانون. ومع تنامي الاعتداءات على الكوادر التعليمية عام 2018، صادق البرلمان على قانون شدد العقوبات على المعتدين، وصولاً إلى سجنهم سنوات عدة، ودفع غرامة كبيرة. 
وأكد القانون الذي تضمن 15 مادة تمسكه بحماية المعلمين من الاعتداءات والمطالب العشائرية والابتزاز خلال قيامهم بأعمال وظائفهم، وحرصه على رفع تطوير مستواهم العلمي والمعيشي والصحي.
ومنع القانون توقيف أي معلم قُدِمت شكوى ضده لأسباب تتعلق بطريقة قيامه بأعمال وظيفته، إلا بعد إجراء تحقيق إداري من لجنة وزارية مختصة.
ونص القانون على فرض عقوبة الحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات أو دفع غرامة لا تقل عن مليوني دينار (1300 دولار)، ولا تزيد على 10 ملايين دينار (6 آلاف دولار) على كل من يعتدي على معلم أثناء تأديته واجبات وظيفته، ومعاقبة كل من يحاول تحقيق مطالب عشائرية تخالف القانون ضد معلم.

ويشدد نقيب المعلمين عباس كاظم السوداني، في حديثه لـ"العربي الجديد" على أنّ "القانون مفعّل لدى المحاكم التي تلتزم تطبيق تعليماته". ويقول: "طالبت خلال لقائي رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان أن تؤكد كلّ المحاكم في البلد تعاملها بحزم مع قضايا الظلم ضد المعلمين. وأيد السوداني طلبي، لكنه اعتبر أن بعض المعلمين يرتكبون خطأ في عدم اللجوء إلى القضاء لتقديم شكوى ضد المعتدين، ومحاولتهم حل المواضيع عشائرياً، وهذا أمر غير مقبول".

المساهمون