تتجاوز سرعة انتشار المخدّرات في العراق الجهود الحكوميّة وعمل السلطات الأمنية للحد منها. وعلى الرغم من الإعلانات الكثيرة التي تكشف عن عمليات نوعية لاعتقال تجار المخدرات، وضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة، إلا أن ضبط هذا الانتشار يتطلب جهوداً أكبر.
وأعلنت السلطات عن تفشي المخدرات في المدارس، وخصوصاً الكريستال والكبتاغون والحشيش. ويزداد تعاطي المخدرات بين مختلف الفئات العمرية بسبب البطالة والفساد والفقر وغير ذلك. وربما يكون الفضول أحد الأسباب التي تدفع إلى الإدمان.
في هذا الإطار، تقول رئيسة منظمة "نقاهة" لمعالجة إدمان المخدرات، إيناس كريم، إن "كارثة المخدرات أكبر وأخطر مما تكشفه وسائل الإعلام"، لافتة إلى أن أعداد المتعاطين والمدمنين والمروجين والتجار أكثر مما يجري الإعلان عنه رسمياً، لأن الأرقام والإحصائيات التي تصدر عن السلطات محصورة بالأشخاص الذين يتم القبض عليهم، أو الذين يندرجون ضمن قوائم وزارة الصحة".
تضيف كريم في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "عدم القدرة على تحديد أعداد المدمنين يرتبط بآفة المخدرات المنتشرة في كل المحافظات العراقية، ناهيك بصعوبة التعامل مع بعض المدمنين الذين لا يتجاوبون مع العلاج. كما أن بعض المدمنين يعودون إلى تعاطي المخدرات بعد الشفاء"، مبينة أن "أكثر أنواع المخدرات انتشاراً في العراق هو مادة الكريستال التي تدخل البلاد من جهة محافظة البصرة (جنوب)، ومادة الكبتاغون التي تدخل عبر محافظة الأنبار (غرب). وسعر هاتين المادتين ليس مرتفعاً".
وفي ما يتعلق بتجار ومروجي المخدرات، تشير إلى أنهم "يستهدفون شريحة الشباب بشكل كبير، مستغلين مشاكلهم المادية والعائلية والعاطفية، ويوزعون المخدرات عليهم مجاناً أكثر من مرة، إلى حين وقوعهم في فخ الإدمان"، مؤكدة أن "جرائم بشعة حصلت في العراق خلال السنوات الماضية من جرّاء الإدمان، وحصل أن قتل مدمنون آباءهم وأمهاتهم في سبيل الحصول على المال لشراء المواد المخدرة". كما تشير إلى ترويج المواد المخدرة بين التلاميذ بذريعة أنها مواد تساعدهم على استيعاب دروسهم بشكل أفضل، أو أنها فيتامينات ومقويات. تضيف: "يشعر التلميذ بعد تعاطيه هذه المواد بسعادة مؤقتة، ولكن بعد مرتين أو ثلاث، يكتشف أنه بحاجة إليها، ويتحول إلى مدمن. بعدها، يتم استغلاله كمروج للمخدرات، وقد يصبح تاجراً".
وتوضح أن "هناك ارتفاعاًً في أعداد النساء اللواتي يتعاطين المخدرات، وخصوصاً المعنفات من قبل الزوج أو العائلة. هؤلاء يستدرجن إلى مناطق أخرى، ويحصلن على مسكن ومواد مخدرة إلى أن يصبحن مدمنات، ثم يتم اعتمادهن كمروجات للنساء المعنفات". وتلفت إلى أن "القانون العراقي يتعامل مع المدمن على أنه مريض نفسي، ويحتاج إلى العلاج. لكن رغم ذلك، فإن مراكز علاج الإدمان في العراق قليلة. ويوجد في بغداد مستشفى العطاء لعلاج الإدمان والتأهيل النفسي، وتم افتتاحها قبل أشهر، ومدينة الطبب، ومستشفى ابن رشد". وتشدد على أن "هناك حاجة ماسة لفتح مركزين متخصصين في علاج مدمني المخدرات بكل محافظة، بالإضافة إلى تدريب كوادر متخصصة في كل المحافظات".
وعن منظمة "نقاهة"، تقول كريم إنها "معنيّة بالعلاج والتوعية، وليس إيجاد التجار أو اعتقالهم"، مضيفة أن المنظمة تنسق وتتعاون مع وزارة الصحة والمستشفيات، وتحرص على التوعية حول مخاطر المخدرات، من خلال الحملات الميدانية والمحاضرات في الجامعات، والأعمال الفنية المصورة". تتابع أن "المنظمة تمكنت من علاج 1200 مدمن من خلال فرق ومتطوعي المنظمة. ووصلنا إلى هذا الرقم بعد سنوات من العمل. في الوقت نفسه، نعجز عن علاج بعض المدمنين، وخصوصاً الذين لا يستجيبون للعلاج".
وتشير إلى أن "نجاح علاج الإدمان يعتمد بنسبة 70 في المائة على المدمن نفسه. وخلال فترة العلاج، نعمل على إشراك المدمنين ضمن فعاليات ونشاطات شبابية، لأننا لا نعتبر المدمن شخصاً سيئاً أو مجرماً، بل ضحية ومريضاً، ويحتاج إلى فرصة للعلاج".
وسبق أن أعلنت وزارة الداخلية عن تأسيس "قاعدة بيانات متكاملة عن وسائل وأساليب ومناطق وكيفية دخول المواد المخدرة وأكثر المواد انتشاراً في العراق". وأكدت، في بيان، أن مادتي الكريستال والحشيش تنتشران وسط وجنوب العراق، وتدخلان عن طريق محافظة ميسان والبصرة (تقع على الحدود مع إيران). أما الكبتاغون والمؤثرات العقلية الأخرى، فتنتشر في غرب وشمال العراق وتدخل من محافظة الأنبار (تقع على الحدود مع سورية)، وأن غالبية المواد المخدرة تدخل إلى العراق عبر الطرقات والمنافذ غير الرسمية والأهوار، والشريط الحدودي والصحراء من الجهة الغربية". وخلال السنوات الأخيرة، بات العراق من بين البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بشكل واسع. وأخيراً، نفّذت القوات العراقية حملات واسعة ضد عصابات وتجار المخدرات في البلاد، أدّت إلى اعتقال عشرات تجار المخدرات والمدمنين.
وكان القانون العراقي قبل الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003 يعاقب مروجي المخدرات بالإعدام شنقاً. لكن بعد الاحتلال، ألغيت عقوبة الإعدام وفرضت عقوبات تصل إلى السجن مدة 20 عاماً.