تزداد نسبة الفقر في العراق بصورة سريعة، مع تراجع الموارد الطبيعية، من بينها المياه، في عموم محافظات البلاد، ولا سيّما مناطق الجنوب. والأهوار من تلك المناطق التي شملتها وزارة العمل أخيراً بالمعونات الاجتماعية البسيطة، مع تعرّض سكانها لنكبات كبيرة في ما يخصّ أرزاقهم التي تعتمد أساساً على الصيد وتربية المواشي والزراعة، علماً أنّ هذه المصادر باتت شبه معدومة.
وكان وزير العمل والشؤون الاجتماعية، أحمد الأسدي، قد أعلن، أمس السبت، شمول كلّ الأسر في الأهوار بالحماية الاجتماعية، وهو ما يعني تصنيفهم فقراء، وبالتالي يوجب على الحكومة دفع مخصصات إعانة شهرية لهم. وقد أتى ذلك بعد "عملية البحث الكبرى التي تجريها (الوزارة) للمناطق الأشدّ فقراً، من ضمنها قضاء الجبايش في محافظة ذي قار" جنوبيّ العراق، بحسب ما بيّن الأسدي في بيان.
وأوضح الأسدي أنّ "الأهوار التي تمثّل أصل الحضارة في البلاد تعاني من قسوة الحياة، وباعتبارها منطقة منكوبة لشدّة الجفاف فيها"، مؤكداً أنّ "وزارة العمل، ومن خلال هيئة الحماية الاجتماعية، ستعمل على شمول كلّ العوائل الموجودة في قرى وأرياف مناطق الأهوار ونواحيها بمظلة الحماية الاجتماعية، خصوصاً أصحاب الجاموس والصيادين الذين توقّفت سبل عيشهم نتيجة جفاف المياه".
والأهوار العراقية التي تتفرّد فيها طبيعة هذه البلاد، هي مسطّحات مائية ضخمة تستمدّ مياهها من نهرَي دجلة والفرات بصورة رئيسية، وتمتدّ في محافظات ذي قار وميسان والبصرة والمثنّى ومناطق حدودية مع إيران جنوبي البلاد وجنوب شرقيها. أمّا أبرزها، فهي أهوار الجبايش والحمّار والشيب والدجيلة، وهي تضمّ أنواعاً عديدة من الطيور والأسماك والنباتات المائية ونبات القصب والبردي، فيما تعيش حولها آلاف الأسر العراقية على الزراعة وصيد السمك وتربية المواشي.
لكنّ كلّ ذلك لم يعد متوافراً جرّاء الأزمة البيئية الناجمة عن التغيّر المناخي، إلى جانب السياسات المائية التي تتّبعها الحكومة العراقية داخلياً، وتلك التي تعتمدها تركيا وإيران خارجياً من خلال القطع المتعمّد لمصادر المياه عن العراق. بالتالي، راح سكان الأهوار يعانون من شحّ مصادر العيش، بالإضافة إلى هجرة نسبة كبيرة منهم إلى المدن.
يقول المسؤول في دائرة الريّ بمحافظة ذي قار، حسين الناشي لـ"العربي الجديد" إنّ "سكان الأهوار أكثر من تأثّر بالمشكلات البيئية والجفاف في البلاد، ثمّ سكان المناطق الريفية في محافظة ديالى. وهذا يعني زيادة في الفقر بهاتَين المنطقتَين". ويشير إلى أنّ "سكان الأهوار لم يكونوا قطّ من الفقراء، بل إنّ أوضاعهم المادية كانت جيدة جداً بسبب تجارتهم الخاصة بالمواشي والأسماك والزراعة. لكنّ وضعهم اليوم صار مأساوياً".
يضيف الناشي أنّ المعونات التي من المفترض أن تقدّمها إليهم الحكومة الحالية، لا تساوي شيئاً أمام الخسارات الكبيرة التي تعرّضوا لها في السنوات الماضية، مشدّداً على أنّ "من واجب الحكومة ألّا تشملهم بالمعونات التي لا تساوي 70 دولاراً أميركياً للشخص الواحد شهرياً، إنّما العمل على حلّ مشكلتهم الأساسية، وهي المياه التي تراجعت عن مساحات شاسعة في البلاد".
من جهته، يقول الناشط المدني في جنوب العراق ساهر محمد لـ"العربي الجديد" إنّ "أكثر من 70 في المائة من سكان الأهوار يعتمدون في معيشتهم على صيد الأسماك وتربية المواشي، من دون أن تكون لهم مصادر عيش أخرى. ولعلّ المشكلة التي يواجهونها هي أنّهم لا يؤمنون بالوظيفة في قطاعات الدولة، لأنّهم بمعظمهم لا ينهون دراستهم". ويؤكد أنّ "حياة هؤلاء صارت صعبة جداً، وثمّة شريحة كبيرة منهم دخلت في حالة المجاعة بعد أن فقدت كلّ شيء تقريباً، لذلك فإنّ مساعدتهم واجب على الحكومة".