العواصف المتوسطية: ظاهرة مناخية نادرة قد تتفاقم وتزداد تدميراً

15 سبتمبر 2023
دمّرت العاصفة المتوسطية دانيال أكثر من ربع مدينة درنة الليبية (محمد ج. العلواني/ الأناضول)
+ الخط -

نجمت الفيضانات المفاجئة التي أودت بالآلاف في ليبيا عن عاصفة متوسطية "مديكيْن" (Medicane) أُطلق عليها اسم "دانيال".

والعواصف المتوسطية، ذات الصلة بالبحر الأبيض المتوسط، ظاهرة مناخية نادرة لكنّها مدمّرة، يعتقد العلماء أنّها سوف تتفاقم في عالم يزداد حرارة. وهذا المصطلح غير الشائع بين الناس عموماً يُستخدم من قبل علماء الأرصاد الجوية وآخرين.

وتشبه العواصف المتوسطية غيرها من العواصف والأعاصير، لكنّها قادرة على التشكّل فوق المياه الأقلّ سخونة.

وفي صور الأقمار الاصطناعية، قد تبدو هذه العواصف كأنّها كتلة دوامة من السحب العاصفة تحيط بنقطة مركزية هي عين العاصفة. لكنّ هذه العواصف المتوسطية تأتي عموماً أصغر وأضعف من نظيراتها الاستوائية، ولديها مساحة أضيق لتنمو وتكبر.

وتعادل قوّتها القصوى عموماً عاصفة من الفئة الأولى على مقياس سفير-سيمبسون، وهذا يعني أنّ سرعتها تتراوح ما بين 119 و153 كيلومتراً في الساعة.

بالإضافة إلى رياحها العنيفة، تصاحب العواصفَ المتوسطيةَ أمطارٌ غزيرة. وعلى سبيل المثال، أسقطت العاصفة دانيال ما يصل إلى 170 ملليمتراً من الأمطار في أقلّ من يومَين على برقة، في شمال ليبيا، حيث يندر هطول الأمطار في هذا الموسم.

مرّة أو مرّتَين في السنة

تقول الأستاذة في قسم الأرصاد الجوية بجامعة "ريدينغ" البريطانية سوزان غراي إنّ العواصف المتوسطية تتشكّل عادة في الخريف عندما يكون البحر دافئاً، وفي معظم الأحيان في غرب البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الواقعة بين البحر الأيوني وساحل شمال أفريقيا.

وتنشأ هذه العواصف عندما يتشكّل حمل حراري أو تصاعد لدى التقاء طبقة من الهواء البارد الآتية من الارتفاعات الأعلى مع الهواء الدافئ الصاعد من البحر. ويحدث هذا اللقاء حول مركز للضغط المنخفض.

وتتشكّل العواصف المتوسطية مرّة أو مرّتَين في السنة، وفقًا للإدارة الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي.

الصورة
دمار رهيب في درنة في ليبيا بعد العاصفة دانيال (فرانس برس)
معالم تغيّرت في ليبيا بعد مرور العاصفة دانيال (فرانس برس)

وفي حين تتحرّك العواصف من الشرق إلى الغرب، تميل العواصف المتوسطية إلى الانتقال من الغرب إلى الشرق. وقد عبرت العاصفة دانيال بلغاريا واليونان وتركيا في الأسبوع الماضي، قبل أن تصل إلى ليبيا.

ونشأت ثلاث عواصف متوسطية قبالة سواحل اليونان بين عامَي 2016 و2018، فيما رصدت خدمات الأرصاد الجوية الإسبانية في عام 2019 عاصفة بين جزر البليار والساحل الجزائري.

وفي سبتمبر/ أيلول 2020، ضربت اليونان رياح تصل سرعتها إلى 120 كيلومتراً في الساعة، الأمر الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في بلدة كارديتسا وتسبّب في فيضانات وانهيارات أرضية وانقطاع في التيار الكهربائي. وتعرّضت جزيرة صقلية الإيطالية لعاصفة مماثلة في عام 2021.

أكثر شدّة

تفيد هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية بأنّه يصعب استخلاص عِبر مناخية من العواصف المتوسطية بسبب ندرتها. لكنّ الخبراء يقولون إنّ ارتفاع درجات حرارة سطح البحر الناجم عن تغيّر المناخ الذي يسبّبه النشاط البشري، سوف يجعل الظواهر المتطرّفة مثل العواصف أو العواصف المتوسطية أكثر شدّة، على الرغم من أنّها قد تصير أقلّ تواتراً.

وتقول الأستاذة ليز ستيفنز في جامعة "ريدينغ": يُعتقَد أن تغيّر المناخ يزيد من شدّة أقوى العواصف المتوسطية... نحن على قناعة بأنّ تغيّر المناخ يزيد من هطول الأمطار المصاحبة لمثل هذه العواصف".

ويشير العلماء إلى أنّ المحيطات امتصّت 90 في المائة من الحرارة الزائدة الناتجة من النشاط البشري منذ بداية العصر الصناعي.

الصورة
أضرار كبيرة في درنة في ليبيا بعد العاصفة دانيال (عبد الله محمد بونجا/ الأناضول)
أضرار هائلة خلّفتها العاصفة دانيال في درنة الليبية (عبد الله محمد بونجا/ الأناضول)

وسُجّلت في البحر الأبيض المتوسط أعلى درجة حرارة في يوليو/ تموز 2023، عندما واجهت أوروبا سلسلة من موجات الحرّ الاستثنائية. وصارت المياه السطحية في شرق البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي أكثر دفئاً بمقدار درجتَين إلى ثلاث درجات مئوية مقارنة بالمعتاد في بداية سبتمبر/ أيلول، وهو ما يُعتقد أنّه جعل العاصفة دانيال أشدّ.

وفي السياق نفسه، تقول أستاذة علوم المناخ في جامعة "بريستول" البريطانية ليزي كيندون إنّ العاصفة دانيال "توضح حجم الأمطار المدمّرة التي يمكن أن نتوقّعها بصورة متزايدة في المستقبل"، مع ارتفاع درجة حرارة العالم.

وبدوره، يشير عالم المناخ كارستن هاوستن من جامعة "لايبزيغ" الألمانية إلى أنّ "نشوء دانيال من عاصفة متوسطية... ربما يكون نتيجة لدرجات حرارة سطح البحر الأكثر دفئاً، وبالتالي تغيّر المناخ الناجم عن الإنسان".

(فرانس برس)