استمع إلى الملخص
- قصة إبراهيم قديح وحنين تعكس الأمل، حيث استفاد إبراهيم من منحة لاستكمال تعليمه في قطر، بينما واصلت حنين دراستها في "جامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا".
- تعمل ابتهال شرّاب على تعزيز الصمود المجتمعي في غزة من خلال مبادرات تطوعية، بدعم من مؤسسة "التعليم فوق الجميع"، مما أفاد أكثر من 100 ألف شخص.
يهدف برنامج "الفاخورة"، الذي يندرج تحت مظلة مؤسسة "التعليم فوق الجميع" القطرية، إلى تعزيز الحقّ في التعليم في النزاعات وما بعدها. وشباب قطاع غزة المنكوب من الذين احتضنهم البرنامج والمؤسسة.
تخصّص مؤسسة "التعليم فوق الجميع" في قطر جهودها لإيجاد حلول عملية من أجل توفير الدعم الإنساني للفلسطينيين في قطاع غزة، الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من عام. وقد نفّذ برنامج "الفاخورة"، أحد برامج "التعليم فوق الجميع"، إجراءات مشهودة لتوفير التعليم للطلاب في داخل القطاع المحاصر والمستهدف، وكذلك لهؤلاء الذين أُجلوا إلى الدوحة. فقد نجحت قطر في إجلاء أكثر من 1500 شخص من قطاع غزة إلى الدوحة، وتعمل مؤسسة "التعليم فوق الجميع" على تمكين الأسر التي وصلت من إنشاء مشاريع صغيرة مدرّة للدخل، وتوفير منح دراسية للوافدين من القطاع حتى يتمكّنوا من الالتحاق بالمدارس والجامعات. وتعرض "العربي الجديد" قصّتَي إبراهيم وحنين اللذَين دعمتهما مؤسسة "التعليم فوق الجميع" في قطر، إلى جانب قصة ابتهال التي دعمتها في قطاع غزة.
إبراهيم وحنين... رحلتا تفاؤل من غزة إلى قطر
الشاب الفلسطيني إبراهيم قديح (21 عاماً) نجى من صاروخ إسرائيلي في خلال الحرب على قطاع غزة، الأمر الذي أدّى إلى بتر ثلاثة من أطرافه؛ اثنان سفليّان وثالث علوي. يخبر: "وصلت إلى قطر في 22 فبراير/ شباط 2024، بعد رحلة طويلة وشاقة. وعند وصولي، وُضعت في مستشفى خاص لنحو شهر من الزمن، وخضعت لعمليات جراحية عدّة. وبعد خروجي من المستشفى، انتقلت إلى مجمّع الثمامة السكني المخصّص لمصابي غزة الذين تستضيفهم قطر". يضيف: "شعرت بتحسّن كبير على الصعيدَين النفسي والجسدي، والتحقت بدورات لتعلم اللغة الإنكليزية وكتابة القصص والتصوير، وقد ساعدني ذلك في تطوير مهارات جديدة واستعادة شعوري بالاستقلالية بالإضافة إلى الإنجاز".
وبشأن أوضاعه قبل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من عام، يخبر إبراهيم وهو من مدينة خانيونس جنوبي القطاع: "كنت أدرس التمريض في جامعة الأزهر بمدينة غزة (شمال)، وأنهيت عامَين دراسيَّين من أصل أربعة قبل بدء العدوان. كنت أطمح دائماً بالوصول إلى القمّة وتحقيق أحلامي، وكنت الأول في التمريض على دفعتي، وكانت لديّ آمال كبيرة لمستقبل مشرق. أمّا قطاع غزة فكان، على الرغم من الحصار والظروف الصعبة، مكاناً مليئاً بالأمل والتحدّي.
وفي السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدأت الحرب على قطاع غزة، وتوقّفت الدراسة في كلّ جامعات القطاع، قبل تدمير تلك المنشآت التدريسية، وصار التعليم مستحيلاً. فنزح إبراهيم من منزله هرباً من صواريخ وقذائف قوات الاحتلال الإسرائيلي، لكنّه تعرّض في العاشر من ذلك الشهر إلى قصف عشوائي، مع سقوط صاروخ بوزن طنّ حيث كان موجوداً. فأصيب بجروح بليغة أدّت إلى بتر ثلاثة من أطرافه، ووجد نفسه في حالة حرجة.
نُقل الشاب الفلسطيني إلى مجمّع ناصر الطبي في خانيونس، جنوبي قطاع غزة، وبقي هنالك حتى بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الذي تلى، قبل أن يُنقَل إلى مستشفى العريش في شمال سيناء بمصر، حيث أُجريت له 40 عملية جراحية. بعد ذلك، انتقل إلى مستشفى السلام التخصصي في القاهرة، ثمّ إلى قطر في 22 فبراير/ شباط الماضي.
في مجمّع الثمامة السكني في الدوحة، بدأ ابن خانيونس يتكيّف مع حياته الجديدة، باحثاً عن فرص لاستكمال تعليمه، علماً أنّه انضمّ إلى مجموعة خاصة بسكان المجمّع على تطبيق واتساب. ويروي إبراهيم أنّ "أحد أفراد المجموعة أرسل رابطاً للتسجيل في منحة الفاخورة التابعة لمؤسسة التعليم فوق الجميع، فتساءلت: كيف يمكنني التقديم وأنا فاقد لثلاثة أطراف؟ كنت أخشى أن يُرفَض طلبي بسبب وضعي الجسدي، فأُحرَج بالتالي. شاركت عائلتي وأصدقائي مخاوفي، فدعموني وأفادوني بأنّ القبول أو الرفض لا يأتي بناءً على مظهري". وبعد تقديمه على منحة "الفاخورة"، تلّقى إبراهيم اتصالاً يحدّد له موعداً لمقابلة، فكانت نقطة تحوّل في حياته، بحسب ما يقول. ويوضح: "تعاملوا معي باحترام وتقدير، وأثبتّ لهم أنّ إرادتي وقوة عزيمتي أكبر من أيّ تحدٍ جسدي". وبعد حصوله على المنحة، يقول إبراهيم: "شعرت بأن أبواباً جديدة بدأت تفتح أمامي، وقرّرت متابعة دراستي".
لم تكن منحة "الفاخورة" مجرّد فرصة لإبراهيم لاستكمال تعليمه فحسب، بل نقطة مضيئة بعد تجربة قاسية عاشها في خلال الحرب الإسرائيلية الطاحنة على غزة، وشعر بأنّه يمتلك العالم بين يدَيه، إذ "مثّلت المنحة دفعاً كبيراً نحو تحقيق أحلامي التي كانت تبدو مستحيلة في وقت من الأوقات". وساعدت المنحة إبراهيم في التغلّب على مخاوفه والشعور بالأمان والاستقرار والرضا عن النفس، فانعكس ذلك إيجاباً على صحته النفسية، وجعله نموذجاً للإصرار والتفاؤل والأمل.
بدورها استفادت الشابة الفلسطينية حنين، التي كانت قد وُلدت ونشأت في قطاع غزة، من برنامج "الفاخورة" في قطر. هي شهدت كيف دمّرت آلة الحرب الإسرائيلية جامعتها، وحالفها الحظ بالانتقال إلى قطر، بدعم من أقاربها الذين يقيمون في هذه الدولة الخليجية. وهناك، حصلت حنين على منحة دراسية من برنامج "الفاخورة" لتلتحق بـ"جامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا" من أجل الحصول على بكالوريوس العلوم في العلاج التنفسي. تقول حنين إنّ هذه المنحة كانت "ضوءاً في نهاية نفق مظلم، وبفضلها انتقلت من العيش في حالة من الخوف إلى القدرة على تحقيق أحلامي". ومع استئنافها دراستها بعد فترة من الانقطاع، أصبحت حنين من جهتها "نموذجاً للإصرار والأمل". وتخطط حنين لمواصلة دراستها، من أجل الحصول على شهادة الماجستير والمساهمة في توفير علاج للمرضى وتوظيف كلّ ما سوف تتعلّمه لخدمة المجتمع.
ابتهال وجمعية إنقاذ مستقبل الشباب في غزة
في سياق متصل، نقل القسم الإعلامي في برنامج "الفاخورة" قصة شابة فلسطينية تطوّعت لخدمة المجتمع في قطاع غزة. وأشار إلى أنّ ابتهال شرّاب، البالغة من العمر 29 عاماً، وقفت في خانيونس (جنوب) على أنقاض نزوحها الخامس، مدفوعة بالأمل والعزيمة. وهي متطوعة ومنسّقة لمجالس الشباب في "جمعية إنقاذ مستقبل الشباب"، في حين أنّها مدرّبة مع "المنظمة الدولية للشباب" قد قادت في الأعوام الماضية، مبادرات شبابية ومجتمعية عدّة.
وتقول ابتهال: "أنشأنا مساحة آمنة للأطفال في أحد مخيمات النزوح"، وهو "مكان يمكنهم فيه التعلم واللعب بعيداً عن فوضى الحروب والهجمات. وأطلقنا على هذه المساحة اسم الجيل الجديد". ولم تقتصر مبادرتها على توفير الترفيه فحسب، إنّما منحت الأطفال بعضاً من شعور الحياة الطبيعية وتعزيز الصمود وروح المجتمع على المدى الطويل.
وتقرّ ابتهال بأنّ التطوّع لم يكن خياراً سهلاً في البداية، إذ "في اليوم الأول الذي فتحنا فيه الصفوف التعليمية، بكى الأطفال عندما رأوا الفصل الدراسي مجهّزاً بالكراسي والطاولات، وهم يمسكون الأقلام مجدداً. كان ذلك تذكيراً قوياً بما فقدوه وما نحاول استعادته". وتنظر ابتهال إلى المستقبل بأمل، وتطمح إلى توسيع مبادرتها لتصل إلى مزيد من الأطفال وإنشاء مزيد من المساحات التعليمية. وتلخّص رسالتها: "نستحق الحياة بكلّ معانيها".
وتماشياً مع هذه الجهود، تدعم "التعليم فوق الجميع" مبادرات مماثلة، وتطلق البرنامج الوطني لدعم التعليم الشعبي في ظلّ الحرب على قطاع غزة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان والشركاء المحليين. ويهدف البرنامج إلى دعم وتعزيز التعليم الشعبي في قطاع غزة في خلال الحرب وبعدها، عبر الاستفادة من جهود المتطوّعين لتنظيم الصفوف التعليمية في الحارات والتجمعات السكنية للنازحين. ويُعَدّ هذا البرنامج ضرورياً لتوفير فرص التعلّم المستمرّة للطلاب الذين يعانون من انقطاع الخدمات التعليمية الرسمية بسبب تدمير المدارس والمرافق التعليمية، كما يقدّم الدعم النفسي الاجتماعي إلى الطلاب الذين تعرّضوا للصدمة ويضمن استمرار التعليم على الرغم من تدمير المرافق التعليمية الرسمية، من خلال بناء قدرات المجتمع المحلي. ويهدف البرنامج إلى الحفاظ على مبادراته التعليمية في خلال الحرب وبعد انتهائها. وعبر هذه الشراكة، نفّذت أكثر من 600 مبادرة مجتمعية، استفاد منها نحو 100 ألف شخص في القطاع المحاصر.