عندما يطلقون على أحدهم لقب "فرعون"، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان أنه صاحب قامة ضخمة، أو ظالم مستبد، لكن أياً من تلك الصفات لا تنطبق على "فرعون مخيم جنين"، الفتى الشهيد أمجد وليد الفايد (17 سنة)، الذي قتله رصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر السبت الماضي.
كان الشهيد أمجد نحيلا، قصير القامة، لكنه أيضاً عنيد وذو بأس، ما جعل منه أحد أعضاء فرقة حماية مخيم جنين الليلية، فكان يجول بدراجته النارية في محيط المخيم، يمسح مداخله تحسباً لوجود قوات خاصة إسرائيلية تتأهب للانقضاض على المقاومين.
يقول ابن عمه أسيد الفايد، لـ"العربي الجديد": "ما كان يقوم به أمجد ليس مهمة سهلة، بل تكاد تكون من أخطر المهام التي يعجز عنها الرجال، لأنك في بعض الأوقات تكون وجهاً لوجه مع أشرس وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي وأكثرها دموية، وعناصرها لا يترددون في إطلاق النار على كل من يعترض طريقهم، وهذا ما جرى مع أمجد".
وأكد شهود عيان كانوا بالقرب من مكان استشهاد الفايد، لـ"العربي الجديد"، أن جنود الاحتلال أصابوه بالرصاص في قدمه، بعد أن لاحقوه لمسافة طويلة عقب تمكنه من اكتشاف أمر قوة خاصة كانت تنصب كميناً لمقاومين على أطراف المخيم.
ووقع أمجد الفايد عن دراجته النارية، لكنه لم يستسلم، بل زحف على الأسفلت وهو ينزف، وتوارى عن الأنظار بعد أن احتمى بالأعشاب على طرف الطريق، لكن الحقد الذي ملأ قلوب المحتلين جعلهم يطاردونه، وأصابوه بنحو عشر رصاصات، لتصعد روحه إلى بارئها، ويلحق بعميّه الشهيد أمجد الذي يحمل اسمه، والشهيد محمد، وهما بطلَا الكمين الذي قُتل فيه 13 جندياً من جيش الاحتلال في معركة مخيم جنين في إبريل/نيسان 2002.
ويشير أسيد الفايد إلى أن أمجد نشأ على ذكريات عملية عميه الشهيدين، كما أن والده كان من أشرس المقاومين، وقد أصيب عدة مرات برصاص الاحتلال، وكان ملاحقاً لعدة سنوات، ونجا من محاولة اغتيال أصيب على أثرها بعدة رصاصات في أنحاء متفرقة من جسده، ليُعتقل مصاباً، ويمضي نحو عقد من الزمان أسيراً في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
كان ترتيب الفتى أمجد الثاني في عائلة مكونة من خمسة أطفال، ولعبت عائلته دوراً كبيراً في تشكيل شخصيته، كما أن جرأته جعلت منه رفيقاً لمقاومين أكبر سناً، وأبرزهم الشهيد عبد الله الحصري، الذي استشهد في اشتباك مسلح، فجر الأول من مارس/آذار الماضي، على أرض مخيم جنين.
ويقول ابن عمه: "كان الشهيد أمجد منغمسا في المقاومة، وفوجئت العائلة بعشرات المقاطع المصورة التي نشرها أصدقاؤه على منصات التواصل الاجتماعي، والتي يتحدث فيها عن أمنيته نيل الشهادة، وكذلك مقطعا مصورا له ضمن عدد من المسلحين الملثمين الذين ينفذون ما يشبه مناورة لترصّد الاحتلال".
يقول والده الأسير المحرر وليد الفايد، لـ"العربي الجديد": "حملته يوم ولادته، وكبّرت في أذنيه، ثم قلت له: الله يكتبلك الشهادة زي عمك أمجد، لقد كانت أبواب السماء مفتوحة لحظتها، واستجاب الله، الحمد لله، طلبها ونالها".
ويضيف الأب: "كان جريئاً، وكنت أخاف عليه في كل اقتحام للمخيم، أو مدينة جنين، حينها كان الناس يلزمون بيوتهم، لكن أمجد كان يخرج راكباً دراجته، يبحث عن مكان وجود جيش الاحتلال. يتأخر الشبان وهو يتقدم، وكأنه كان يحاول أن يظفر بالشهادة، حتى حقق الله له أمنيته".
وداع الفايد الصغير لم يقلّ زخماً عن غيره من شهداء جنين، حيث جاب به المشيعون محمولاً على الأكتاف شوارع وأزقة مخيم جنين، وكان رفاقه من فتية المخيم أول المشيعين، وكذلك عدد كبير من المقاومين الذين حملوا السلاح عالياً، تأكيداً منهم على مواصلة المقاومة حتى دحر الاحتلال.