جاب الأسير الفلسطيني المحرر أيمن طبيش (43 سنة) سجون الاحتلال الإسرائيلي خلال ثمانية اعتقالات متفرقة، خاض خلالها تجربة الإضراب عن الطعام مرتين، وعاش مرارة العزل الانفرادي والثنائي 7 سنوات، كما حرمه الاحتلال من إلقاء نظرة الوداع على والده وشقيقته اللذين فارقا الحياة بينما هو في السجون، غير أن كل ذلك لم يمنعه من إكمال مسيرته التعليمية رغم مطاردته 3 سنوات، وأسره 17 سنة.
في عام 1998، سجّل أيمن طبيش الشاب وقتها في تخصص "هندسة السيارات" بجامعة "بوليتكنك فلسطين" بمدينة الخليل، وهو من سكّان مدينة دورا، لكن فصول المعاناة رافقت فصول الدراسة، إذ تعطلت مسيرته الجامعية مع أول اعتقال له في عام 1999، والذي تبعته اعتقالات متعددة بسبب نشاطه الميداني ضمن حركة الجهاد الإسلامي، والاعتقال الإداري تحت بند "ملف سري".
حصل طبيش على بكالوريوس الهندسة بعد 25 عاماً من تسجيله في الجامعة، ويروي لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "في كل مرة أخرج من السجن كنت أطارد لأشهر، ثم يتكرر اعتقالي. كان من الصعب مواصلة الدراسة في السجن، لأن الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول الكتب العلمية المرتبطة بتخصصات الهندسة، وهذا يشكل عائقاً أمام إكمال الدراسة. المشقة التي يواجهها الأسير مركبة، فلا يمكن حفظ المعلومات الأكاديمية، أو إعادة البناء عليها، ويستحيل الالتزام بالدوام الجامعي، وفي أوقات الحرية يقع على عاتقي كفلسطيني متابعة القضايا السياسية التي تنتج عنها مشاركة بالفعاليات الوطنية، ويلحقها الاعتقال مجدداً، إضافة إلى الأعباء المادية، فلا مصادر دخل سوى مساعدات هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية".
لا تغيب عن ذهن طبيش صدمة تلقي خبر وفاة والده في مارس/ آذار 2003، فالتواصل شبه معدوم بين الأسرى في سجون العزل، إلا المناداة عبر نافذة صغيرة في باب الغرفة. يقول: "كنت في عزل ثنائي بسجن (إيشيل) الإسرائيلي، وبالصدفة عند مشاهدة الأسرى قناة أرضية كانوا يسترقون مشاهدتها بطرق خاصة، طالعوا خبراً ينعى والدي، فنادوا عليّ ليخبروني. كانت صدمة حقيقية أن أتلقى الخبر هكذا، فقد دخلت السجن ووالدي بصحة جيدة، وخرجت فلم أجده. ما زاد الصدمة ألماً، كان رفض إدارة السجن طلبي التواصل مع عائلتي لتعزيتهم، ما دفعني لرفع قضية، وسمحت لي المحكمة الإسرائيلية بالتواصل مع العائلة بعد 8 أشهر على وفاة والدي، ولمدة ثلاث دقائق فقط".
تلقى أيمن في اعتقاله الأخير في عزل سجن ريمون بين عامي 2016 و2020 صدمة ثانية مع وفاة شقيقته بمرض السرطان، ويضيف: "لم أتمكن من وداع والدي، ولا وداع شقيقتي، وغبت عن معظم أفراح العائلة".
خرج طبيش من سجون الاحتلال في أواخر عام 2008، فقرر العودة إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع دام 10 سنوات، لكن الاحتلال باغته باعتقال إداري في أكتوبر/ تشرين الأول 2009، واستمر الاعتقال لثلاث سنوات، وحين أفرج عنه في إبريل/نيسان 2013، عقد خطبته تمهيداً للزواج، لكن اعتقله الاحتلال بعدها بأسبوعين مجدداً.
شعر عندها بأن الاحتلال يسعى إلى تدمير حياته، ما دفعه إلى اتخاذ قرار خوض إضراب عن الطعام، بدأه في 25 مايو/ أيار 2013، رفقة الأسير عادل حريبات، للمطالبة بوقف اعتقالهما الإداري، وقد علّقا الإضراب بعد 105 أيام، عقب اتفاق يقضي بالإفراج عنهما في مطلع يناير/ كانون الثاني 2014، لكن الاحتلال نقض الاتفاق، ومدد اعتقاله الإداري، ما دفعه إلى خوض إضرابٍ جديد استمر 122 يوماً، كان فيه قاب قوسين أو أدنى من الشهادة.
ما إن أفرج عنه في أكتوبر 2015، حتى تزوج، وبدأ الاستعداد لاستكمال فصول الجامعة الدراسية، لكن الاحتلال أعاد الكرّة، واعتقله بعد ثمانية أشهر على زواجه، وقبل أن ينهي الفصل الدراسي، ليدخل فصلاً جديداً من فصول الأسر.
يؤمن طبيش أن التعليم أحد مداخل الوعي التي يحتاجها الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وهذا ما دفعه للاستمرار في السعي إلى استكمال تعليمه رغم المعاناة، يقول: "غياب الوعي يعني عدم القدرة على حل مشكلاتنا، وينتج عنه خلل في الأولويات يؤدي إلى ضياع البوصلة الوطنية، وقد نشأت في بيئة ملتزمة دينياً تؤمن أن طلب العلم فريضة". ويؤكد أنه يسعى عبر دراسته إلى إيصال رسالة مفادها أن الأسرى شريحة مثقفة ومتعلمة وواعية، وهدفها خدمة الشعب بكل الطرق الممكنة، متمنياً أن تتحقق الوحدة الوطنية على الأرض كما حققها الأسرى في سجون الاحتلال.
ما حصل مع طبيش يحدث مع كثير من الطلبة الفلسطينيين الذين يعتقلهم الاحتلال، وبعضهم يعتقلون في فترة الامتحانات النهائية، ما يضطرهم إلى إعادة السنة الدراسية حين الإفراج عنهم في إصرار على مواصلة التعليم لأهميته في مقاومة الاحتلال الذي يتعمد تعطيل حياتهم الجامعية لحرمانهم من تحقيق طموحاتهم، وبناء مستقبلهم.