كانت شقيقة الشهيد فادي وشحة (34 عاماً) تقف أمام منزل العائلة في بلدة بيرزيت شمال رام الله وسط الضفة الغربية، وتقول: "أين هو العريس؟ ها قد وصل". حضّرت والدته الحناء لوداعه عريساً قبل أن يغادر المنزل، لكنّه ليس العرس الذي كانت تخطط له، فابنها شهيد وصل إلى منزله محمولاً على الأكتاف.
فادي وشحة استشهد متأثراً بإصابته بجروح في رأسه بعد استهدافه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بالرصاص الحي خلال مواجهات عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة، وبقي في العناية المركزة 18 يوماً. تقول والدته لـ "العربي الجديد" إنه لم يكن يتحدث عن مواجهته الاحتلال خشية أن تحزن. "طلب مني أطلبلو (في إشارة إلى نيته الارتباط، وتحضير الفساتين لشقيقاتي.كان يخبئ علي بأنه يريد أن يستشهد، لكن هذا أفضل عرس". تضيف: "الله يسهل عليك يا فادي... فادي شهيد الحرم الأقصى وشهيد فلسطين، طيلة عمره يقاوم ومطارد".
"مد إيدك حنّيها يا عريس"... كان هذا آخر ما هتف به المشيعون قبل أن يودع فادي منزله للمرة الأخيرة. ويقول شقيقه موسى لـ"العربي الجديد": "بالفعل،كان يخطط للزواج بعد شهرين، لكن الاحتلال اغتاله، ووصل إلى منزله محمولاً وقد أُلبِس البذلة العسكرية، ووضعت البندقية في النعش لتكون رفيقة له".
ويشير موسى إلى أن "الاحتلال تعمّد اغتيال شقيقه. فمنذ نحو عام، لا يستجيب فادي لاستدعاءات جهاز الاستخبارات الإسرائيلي. وفي الشهر الذي سبق إصابته، اقتحم الاحتلال المنزل بشكل مكثف مع تعمد التكسير والتخريب والصراخ"، موضحاً أن ضابط الاحتلال كان يهدد العائلة بأنه سيعيد فادي مقطعاً. وحين قالت العائلة إنه "لم يفعل شيئاً"، ردّ الضابط: "هل سننتظر حتى يفعل؟".
وبعد نحو 15 دقيقة من إصابة فادي، هاتف ضابط إسرائيلي موسى قائلاً: "هل أقول رحمه الله؟ هل أعزيكم به؟". ويتابع موسى: "هذا دليل على أنّهم اغتالوه على أرض المواجهات".
ويعود استهداف وشحة إلى عدم تراجعه يوماً عن مقاومة الاحتلال كما تقول عائلته، فيقول موسى إن "فادي ضحى من أجل فلسطين والقدس منذ صغره، وقاوم منذ كان في عمر 14 عاماً واعتقل لمدة عام حينها". واعتُقل فادي في سجون الاحتلال، وأصيب عدة مرات برصاص الاحتلال، إذ يقول موسى: "يظن الاحتلال أنه حين يدخل أحداً إلى السجن فإنه سينسى الوطن والأرض، هذا مستحيل، الإنسان الصادق لا ينسى وطنه وأرضه".
وفي جامعته بيرزيت مشهد آخر لا يقلّ تأثيراً عن مشهد وداعه في منزله. حشد كبير من الطلاب استقبل جثمان فادي بالهتافات. جابوا به الجامعة قبل أن يتوقفوا به وسطها أمام مجلس الطلاب، ثم أمام صرح الشهداء الذي كتب عليه أسماء الشهداء من طلاب الجامعة. كما أن الأعلام واللافتات والهتافات ملأت الجامعة. كان يدرس العلوم السياسية رغم أنه في سن الـ34. كان قد التحق بالجامعة في عام 2009، لكن الاعتقالات أخرت تخرجه كثيراً.
ويستذكر الطلاب فادي وشحة شقيقاً وقدوة. ويقول زميله وليد حرازنة لـ"العربي الجديد": "كان فادي شقيقاً كبيراً ليس فقط لي، بل للكثير من طلبة الجامعة، وشبان بلدة بيرزيت. يخاف على مصلحتنا وهو سند لنا، وكان أيضاً مثالاً للرجل المقاوم الصلب الحقيقي. هو ليس خسارة، فكل شهيد مكسب للوطن. لكن كطلاب، خسرنا قائداً ميدانياً في أرض المعركة المتواصلة مع الاحتلال، وخسرنا قائداً طلابياً ومواجهاً شرساً مشتبكاً على الدوام".
يذكر الكثيرون قصص الشاب الذي يسهر في الليل تحسباً لاقتحام جيش الاحتلال، حيث يقول حرازنة: "كان فادي يسهر دائماً في شوارع بيرزيت، ينبه شبابها وطلبتها من أي اقتحام".
ولا ينسى مشيعو فادي استشهاد قريبه وصديقه معتز وشحة عام 2014 خلال اشتباك مع قوات الاحتلال في بيرزيت. ويقول حرازنة إن "استشهاد معتز أضاف ألم الفقدان والثأر أيضاً. فادي مقاوم منذ نعومة أظافره، وقدوة لكثير من الطلاب".
وشيع الفلسطينيون اليوم الخميس، جثمان الشهيد وشحة بعد يوم واحد على استشهاده متأثراً بإصابته، بجنازة عسكرية انطلقت من أمام مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله وصولاً إلى جامعة بيرزيت ومنزله في بلدته بيرزيت، قبل أن يوارى جثمانه الثرى في مقبرة البلدة.