في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه لبنان، عددٌ كبير من النساء بحثن عن فرص عمل لإعالة أنفسهنّ وأسرهنّ، والفلسطينيات بمخيمات اللجوء مثالٌ على ذلك.
كثيرون خسروا أعمالهم جراء الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه لبنان، ويتأثر به أيضاً الفلسطينيون في مخيمات اللجوء، علماً أنّ وضعهم قبل الأزمة الاقتصادية كان صعباً للغاية، لكن كان باستطاعة الفرد منهم العمل ببعض المهن المحدودة التي قد تتوفر له. وجراء ذلك، فإنّ عدداً من النساء بحثن عن فرص عمل لإعالة أنفسهن وأسرهن، ولو بالشيء اليسير، وجزء منهن نجحن في ذلك. قبل أن يتوفى خطيبها بمرض السحايا منذ سبع سنوات، كانت خديجة أبو طاءة تعمل في التصوير الفوتوغرافي، العمل الذي أحبته وتعلمته بعدما أنهت تعليمها المتوسط. لكن بعد وفاته تغيّر كل شيء في حياتها.
تعيش خديجة مع شقيقتيها في مخيم برج البراجنة في بيروت. ليس لخديجة وأخواتها معيل، لذلك فهنّ يَعتمدن على أنفسهنّ في تأمين مصاريفهن الخاصة وحاجاتهنّ. تقول خديجة لـ"العربي الجديد": "أنا من بلدة ترشيحا بفلسطين، لجأ أهلي إلى لبنان، وعاشوا في مخيم برج البراجنة. ولدت في هذا المخيم وما زلت أعيش فيه حتى اليوم. في البداية، كنت أعمل في التصوير الفوتوغرافي، لكن الظروف التي عشتها بعد وفاة خطيبي غيّرت حياتي. لم أعد أستطيع الخروج من البيت لأعمل في المهنة التي أحببتها. بعد مرور وقتٍ على وفاة خطيبي كان لا بدّ من إيجاد عملٍ لأعتاش منه. فاستأجرت محلاً في المخيم لبيع الملابس والألعاب للأولاد، وبسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه، وتدني مدخول المحلّ الذي لم يعد يكفيني، ولأنه ليس لدينا من معيل، قررنا أنا وشقيقتي البحث عن عملٍ آخر يؤمن مدخولاً مناسباً لنا. عندها، قررت العمل بمشروعٍ للطبخ". تضيف: "بالفعل بدأت مشروعي إلى أن عرفت بأنّ هناك مؤسسة تقوم بدورات لتمكين المرأة لمدة ثلاثة أيام في بيروت، والدورة كانت عبارة عن إدارة مشروعٍ صغير. اخترت مشروع الطبخ بما أنني كنت قد بدأته في بيتي، وبالفعل التحقت بالدورة، وفي نهايتها حصلت على شهادة، وتبرّعوا لي بفرنٍ كهربائي، وفرن غاز، وثلاجة لحفظ الطعام".
تتابع: "بعد الانتهاء من الدورة، بدأت العمل بشكلٍ أوسع، ووضعت الأدوات الكهربائية في غرفة صغيرة بمنزلي الذي كان قد اشتراه خطيبي لنسكن فيه بعد أن نتزوج، علماً أنّه غير صالح للسكن بسبب تسرب المياه إليه في فصل الشتاء، وتفسخ جدرانه وسقفه، لكن الغرفة التي أستخدمها لإعداد الطعام هي الأنسب فيه".
تشرح خديجة أنّه في العام الماضي، كانت تؤمن مع شقيقتيها وجبات الطعام لعددٍ كبيرٍ من المؤسسات والجمعيات، ويعملن في شهر رمضان على تأمين وجبات الإفطار للجمعيات والروابط في المخيم، وإعداد الحلوى على أنواعها وتأمينها لمن يطلبها. وتشير إلى أنّ حال عملهن في السابق كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، "كونه تأثر بالوضع الاقتصادي الذي نمرّ به، وبجائحة كورونا". أما اليوم، فتعمل على إعداد الوجبات بحسب الطلب، "خصوصاً للنساء العاملات، فهنّ من يطلبن مثلاً الوجبات الجاهزة والكبب والكوسى والورق عريش إضافة إلى الطعام المطبوخ والموسمي".
تضيف: "في هذا الوضع الاقتصادي الصعب، يحتاج المرء إلى أن يعمل في أكثر من مهنة، فمثلاً أختي تخرجت من الجامعة، لكنها لم تعثر على عمل، كونها فلسطينية الجنسية، لذلك استأجرت محلاً في المخيم، وحولته إلى مكتبة، واليوم أصبحت المكتبة فارغة تقريباً من معظم المواد الضرورية للطالب بسبب ارتفاع الأسعار التي تأثرت بسعر صرف الدولار". وتتابع: "لم تعد أختي تشتري البضاعة لمتجرها كون أهالي المخيم عاجزين عن شراء القرطاسية لأولادهم. أما أختي الثانية فمهنتها الأساسية هي تصفيف الشعر، لكنّ عملها أيضاً تأثر بالوضع الاقتصادي الحالي، وبالتالي قررت أن تعاونني بإعداد الطعام. نعتمد في موسم الأعياد على بيع بعض الأطعمة والحلويات التي يحبها الأطفال، وكذلك نعلّق قرب البيت أرجوحة ليتمكن الأطفال من اللعب واللهو. لكنّنا مثلاً، في عيد الأضحى الأخير، لم نتمكن من الاستفادة من المناسبة كما كنا نفعل في الأعياد السابقة بسبب انتشار جائحة كورونا، والحجر المنزلي".