يمنح العمل عن بعد الليبيات فرصة الإفادة من شكل جديد من الوظائف والأعمال لتخطي صعوبات عدة، سواء تلك المتعلقة بأزمات الوضع الاقتصادي، أو القيود الاجتماعية المحافظة التي تمنعها من العمل بعيداً عن عيون المراقبة الأسرية.
نجحت نجوى الصويري في الحصول على فرصة للعمل مع شركة أجنبية احتاجت موظفين لمتابعة أعمال مكتبها في العاصمة طرابلس، بعدما أرغمت على مغادرة ليبيا قبل سنوات بسبب الحرب والعنف والعمليات المسلحة.
تتحدث الصويري التي تحمل إجازة في تخصص إدارة الأعمال وتعيش في طرابلس، لـ"العربي الجديد" عن متطلبات وظيفتها، بالقول: "يحرس ثلاثة موظفين المكتب المقفل للشركة. وبناء على معلوماتهم أزود الشركة بتقرير أسبوعي عن وضع المكتب، وأقدم لها تقارير دورية عن فرص العمل والمشاريع التنموية المطروحة في البلاد في مجال عملها".
ومنحت إجادتها اللغة الإنكليزية الصويري فرصة العمل مع الشركة. ورغم الأجر المالي الضئيل التي تتقاضاه شهرياً، تعتبر أن وظيفتها تشكل فرصة للتعرف على مجالات عمل خارج ليبيا، وفتح جسور للتواصل من أجل تحقيق طموحات أخرى.
من جهتها، حصلت إيمان الصراف، وهي خريجة جامعية تعيش في مدينة الخميس شرق طرابلس، على عقد مؤقت مع شركة كبيرة تصمم منظومات للمحاسبة والمال، ووصل العرض إلى منزلها بسبب علاقتها بشخص نافذ في الشركة.
تقول لـ"العربي الجديد" إن "فرصة العمل التي حصلت عليها مناسبة جداً بسبب ظروفي الأسرية، إذ أعيش فقط مع أمي التي يمنعني مرضها وعجزها من تركها في البيت لشغل أي وظيفة". تضيف: "العمل مع هذه الشركة لا يتطلب حضوري شخصياً، فكل تعاملاتي معها تجري عبر الإنترنت أو بواسطة اتصالات هاتفية. وآمل في أن يفتح هذا العمل باب مواصلتي العمل معها عن بعد".
وفي السياق، استطاعت وداد جمعة المتحدرة من مدينة بنغازي وصديقتها التي تسكن في المبنى السكني ذاته تنشيط عمل صفحة على موقع "فيسبوك" لعرض موديلات إكسسوارات نسائية، وجلب إقبال كبير عليها وتحقيق مكاسب مالية منها. تشرح طريقة عملها لـ"العربي الجديد" بالقول: "نتعامل مع الزبائن من دون أن نغادر شقتنا، ونلبي طلبات الزبائن مع راغبين في تنفيذ أعمال توصيل منزلي".
وترى أن هذه الفرص تشكل وسيلة لتجاوز العقبات الاجتماعية، مشيرة إلى أنها تتقاسم العمل في شكل جيد مع صديقتها. و"لو كان هذا العمل مثل دوام حكومي لما استطعنا أن نجني شيئاً، لأنه يتطلب ساعات طويلة حتى خلال فترة الليل، والقيود المطبقة في المنطقة التي نعيش فيها لا تسمح لنا بالعمل ليلاً".
من جهتها، تؤكد الباحثة الاجتماعية حسنية الشيخ في حديثها لـ"العربي الجديد" أن التجارب الناجحة شجعت النساء على الانخراط في سوق العمل الإلكتروني، مثل نشاط بيع الحلويات والأشغال المنزلية عبر الإنترنت. وتقول: "كل ما تحتاجه المرأة هو التنسيق مع عاملين في التوصيل المنزلي، أما الباقي فرهن كيفية التعامل عبر صفحات التواصل الاجتماعي".
وتربط الشيخ اكتشاف هذا النوع من الأعمال بفترة حظر التجول لأشهر خلال مراحل تفشي وباء كورونا. وتشير إلى أن "أسراً كثيرة كانت تعيش على أعمال يومية، مثل قيادة سيارات الأجرة والعمل في مصانع ومتاجر، توقف عملها حينها، ما جعلها تشجع نساءها وبناتها على قبول عروض العمل عن بعد".
وتتابع: "شجع نجاح وجدية العاملات أرباب عمل كُثرا على التعامل معهن. وعلى سبيل المثال، استغنى معمل الملكة للحلويات في طرابلس عن أكثر عماله، وتعامل مع ربات البيوت مباشرة. وأنا أعرف نساء يزودن المعمل بأصناف من الحلويات، ما خفض تكاليفه، لأنه بات غير مضطر لشراء مواد أولية، وتأمين احتياجات النقل عبر سيارات، ودفع تكاليف إضافية مختلفة. كما خفّض مصاريفه الشهرية وبينها رواتب العاملين".
وتتحدث الشيخ عن ميزات العمل عن بعد بالنسبة إلى المرأة الليبية بالقول: "يتمتع هذا العمل بخصوصية بالنسبة إلى المناطق التي تطبق تقاليد محافظة. فالمرأة تجد في العمل عن بعد راحة من المضايقات، أو من الاحتكاك بالرجال، خصوصاً إذا كانت البيئة ريفية أو بدوية. ويعتبر هذا النوع من الأعمال فرصة لإبراز مهارات النساء في الأرياف وتنميتها".
وترى الشيخ أن العمل عن بعد "لم يعد ظاهرة دخيلة، بل ظاهرة صحية تسمح للمرأة بنوع جديد من الشراكة عبر صنع روافد جديدة للاقتصاد، والتنبيه على فرص عمل من نوع جديد. وهو إحدى وسائل القضاء على البطالة. وسيتوسع الإقبال عليه في المستقبل ليضم شريحة الذكور". وتشدد على أهمية العمل عن بعد بالنسبة إلى النساء تحديداً كونه يسمح لهن بالموازنة بين مسؤوليات العمل وبين حياتهن الشخصية كزوجات وأمهات، وترى أنه السبب الأول في إقبال النساء عليه.