يُعيد "اليوم الدولي لضحايا الإخفاء القسري" في الثلاثين من أغسطس/ آب من كل عام، والذي يصادف اليوم، فتح جراح آلاف الأسر المصرية التي لا تعرف مصير أبنائها على الرغم من مرور سنوات. وبالتزامن مع ذكرى مذبحة رابعة العدوية في الرابع عشر من أغسطس، كتبت جهاد، شقيقة عمر حماد، المخفي قسراً منذ عشر سنوات: "اليوم تمر عشر سنوات بالتمام والكمال... بعد كل المحاولات الفاشلة لأن أبحث عن طريقة أخفف بها وجعي بعدما وصلت إلى تناول أربعة أقراص في اليوم ضد الاكتئاب والصدمة التي لا أستطيع استيعابها حتى اليوم. تمضي السنة وراء السنة وما زلت أعيش نفس ذلك اليوم".
وتعاني أسرة طالب الهندسة حماد، كما ذكرت شقيقته، من اضطرابات نفسية نتيجة الصدمة والألم وطول الانتظار والخوف من احتمال تعرضه للتعذيب الوحشي حتى القتل. كان طالباً في كلية الهندسة حين أصيب بطلق ناري أثناء فض اعتصام رابعة العدوية في الرابع عشر من أغسطس 2013، ثم اختفى وما زال مصيره مجهولاً كالآلاف غيره منذ سنوات.
واعتمدت مصر الإخفاء القسري بحق المعارضين، وخصوصاً خلال العقد الأخير. وامتدّت ممارسات النظام لجريمة الإخفاء القسري إلى حد قوننته داخل البنية التشريعية المصرية بحسب منظمات. وتوضح أن هذا التقنين تم مع صدور قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، الذي نص في المادة 40 منه على "أحقية النيابة العامة - سلطة التحقيق المختصة ـ في استمرار التحفظ على المتهم لمدة 7 أيام قابلة للتجديد مرة واحدة". وأجري تعديل على تلك المادة بالقانون رقم 11 لسنة 2017 بامتداد الفترة الزمنية من 7 أيام وحتى 14 يوما قابلة للتجديد مرة واحدة، أي 28 يوماً.
وبحسب منظمة العفو الدولية، تعاني أسر ضحايا المخفيين قسرياً من اضطرابات نفسية واجتماعية وأمنية، لعدم معرفة مكان احتجاز ذويهم، وكيفية معاملتهم، وقد يؤدي البحث عن الحقيقة إلى تعريض الأسرة بأكملها لخطر كبير. كما يعيش هؤلاء ألم الانتظار من جراء عدم معرفة ما إذا كان أحباؤهم سيعودون إليهم يوماً ما، وهو ما حدث مع المحامي الحقوقي إبراهيم متولي، مؤسس "رابطة أسر المخفيين قسرياً"، الذي أتم 70 شهراً خلف القضبان منذ القبض عليه في سبتمبر/ أيلول من عام 2017 وحبسه احتياطياً، لأنه قرر البحث عن ابنه عمرو المخفي قسرياً منذ الثالث من يوليو/ تموز 2013.
ومع اتساع نطاق ظاهرة الإخفاء القسري في مصر، وفي محاولة من أهالي المخفيين قسرياً لمشاركة مخاوفهم وتجربتهم في البحث عن ذويهم، ومساعدة بعضهم بعضاً في الوصول إلى منظمات المجتمع المدني العاملة في ملف الإخفاء القسري، أنشئت عام 2014 "رابطة أسر المخفيين قسرياً"، وذلك للمساعدة في تقديم الدعم القانوني، بسبب ضعف الخبرة القانونية لدى الأهالي، أو بسبب ما يواجهونه من استغلال بعض المحامين. وكانت الرابطة قد طورت آلياتها واتجهت إلى تقديم شكاوى جماعية ومخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، والفريق العام المعني بحالات الإخفاء القسري، للتعريف بقضيتهم بصورة أكبر.
ورأى النظام ضرورة تفكيك مثل هذه الروابط بسبب ما تمثله من تهديد لسلطته؛ لذا تم توجيه حملة أمنية تجاه الرابطة من خلال استهداف الوقفات التي تنظمها. وتباعاً، بدأت السلطات في استهداف أهالي المخفيين من خلال القبض على إبراهيم متولي، أحد مؤسسي الرابطة، وهو في طريقه للسفر إلى سويسرا للمشاركة في الدورة 113 لمجموعة عمل الأمم المتحدة المعنية بحالات الإخفاء القسري، والمسؤول عن تنسيق الاجتماعات والتواصل مع الأهالي. واعتقل حوالي 18 آخرين من أعضاء الرابطة وجرى التحقيق معهم في اتهامات "ارتكاب جرائم تأسيس وقيادة رابطة، والانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، تدعو لتعطيل الدستور ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، والتواصل مع منظمات أجنبية بغرض الإضرار بالأمن القومي، ونشر أخبار كاذبة، وتروي إشاعات من شأنها الإضرار بالمركز السياسي للبلاد"، في القضية رقم 900 لسنة 2017 المعروفة إعلامياً بـ"رابطة أسر المخفيين قسرياً".
ومع رحلة البحث الطويلة التي يتولاها الأهل، تتشابك التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. وما بين الانتظار والبحث داخل المسارات القانونية والوساطات، يتراكم شعور الأسر بالإحباط طبقاً لتقرير صادر عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات في أغسطس/ آب 2022. وأشار إلى امتداد تأثيرات الإخفاء القسري لأحد أفراد أسرة ما لتشمل التأثير الاقتصادي المتمثل في مستوى المعيشة، وخصوصاً في حال كان المخفي المعيل الوحيد لأسرته، فضلاً عن التأثير الاجتماعي وتعامل المحيطين بأهل المخفي والمصاعب التي تواجهها الأمهات في توفير احتياجات أطفالهن ودخول المدارس، والتأثير النفسي على أهالي المخفيين قسرياً نتيجة لما يتكبدونه من معاناة في رحلة البحث عن مصير ذويهم.
حتى أسر ضحايا الإخفاء القسري الذين ظهروا في المقار الأمنية بعد فترات متفاوتة من إخفائهم يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة اصطدامهم مع واقع تعرض فيه ذووهم للتعذيب على يد قوات الأمن لنزع الاعترافات، وهو ما أكده تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في 14 أغسطس. وأكد أن "قوات الأمن تحتجز المتهمين بالتورط بالإرهاب أو المشاركة في التظاهرات بمعزل عن العالم الخارجي، وتحرم عائلات ومحامي المتهمين من الوصول إلى أي معلومات حول مصير ومكان وجود أحبتهم لفترات تتراوح بين بضعة أيام و23 شهراً. وخلال هذا الوقت، يتعرض المعتقلون للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، ويجبرون على الإدلاء باعترافات قسرية أو تجريم الآخرين".
وفي ما يتعلق بالأعباء الاقتصادية، تُشير منظمة العفو الدولية في دليلها التعريفي بجريمة الإخفاء القسري إلى أن الغالبية العظمى من ضحايا الإخفاء القسري، على الصعيد العالمي، هم من الرجال. لذلك، غالباً ما تقود النساء النضال لمعرفة ما حدث خلال الأشهر والسنوات التي انقضت منذ إخفائهم، ما يعرضهن لخطر الترهيب والاضطهاد والعنف.
علاوة على ذلك، فإن الشخص المخفي هو في الغالب رب الأسرة الرئيسي، وهو الوحيد القادر على زراعة المحاصيل أو إدارة العمل التجاري للأسرة. ويزداد الأمر سوءاً في بعض القوانين الوطنية التي لا تسمح بالحصول على راتب تقاعدي أو تلقي دعم آخر من دون شهادة وفاة.